الجمعة، 4 سبتمبر 2020

• نوادر العرب: ذكاء الطبيب في علاج المريض


كان عِندَنا غُلامٌ حَدَث، فَلَحِقَهُ وَجَعٌ في مَعِدَتِهِ شَديدٌ بِلا سَبَبٍ يَعرِفُه، فَكانَت تَضرُبُ عليه أكثرَ الأوقاتِ ضَرباً عَظيماً حتى يكاد يَتلَف، وقلَّ أكلُه، ونَحَلَ جِسمُهُ، فَحُمِلَ إلى الأهواز، فَعولِجَ بِكُلِّ شَيءٍ، فَلَمْ يَنجَحْ فيه، ورُدَّ إلى بيته وقَد يُئِسَ مِنهُ. فَجازَ بَعضَ الأطباءِ فَعَرَفَ حالَهُ، فقال للعليلِ:

اشرَحْ لي حالَكَ في زَمَنِ الصحة. فشرح إلى أنْ قال: دَخَلتُ بُستاناً فكان في بيت البقرِ رُمّانٌ كثيرٌ للبيع، فأكلتُ مِنه كثيراً.
قال: كَيف كُنتَ تأكُلُه؟
قال: كُنتُ أَعُضُّ على رأسِ الرُّمّانةِ بِفَمي، وأرمي بِه و أكسِرُها قِطَعاً وآكُل.
فقال الطبيب: غداً أُعالِجُكَ بإذنِ الله تعالى.
فلما كان مِن الغَد جاءَ بِقِدرِ اسفيداج قد طبخها مِن لحم جَروٍ سَمين، فقال للعليل: كُلْ هذا. قال العليل: ما هو؟ قال: إنْ أكلتَ عَرَّفتُك. فأكلَ العليل، فقال له: امتلىء مِنه، فامتلأ، ثُمَّ قال له: أتدري أيَّ شَيءٍ أكلت؟ قال: لا. قال: لَحمُ كلب! فاندفع يَقذِف، فتأمّلَ القذفَ إلى أنْ طَرحَ العليلُ شَيئاً أسود كالنواة يَتَحَرّك، فأخذه الطبيب وقال:
ارفع رأسَك، فَقَد بَرأت. فرفع رأسَه، فَسقاهُ شيئاً يقطعُ الغثيان، وصَبَّ على وجههِ ماءَ ورد، ثُمَّ أراهُ الذي وقع منه فإذا هو قُرَّاد، فقال: إنَّ المَوضِعَ الذي كان فيه الرُّمّانُ كان فيه قِردانُ مِن البقر، وأنه حصلت مِنهم واحدة في رأسِ إحدى الرمّانات التي اقتلعت رؤوسها بفمك، فنزل القرد إلى حلقك وعلق بمعدتك يَمتَصُّها، وعَلِمتُ أنَّ القراد تَهِشُّ (أي تطلب وتحب) إلى لحم الكلب، فإنْ لَم يَصحّ الظَّنُ لَم يَضرّكَ ما أكلت، فَصحّ، فلا تُدخِلْ (في) فَمكَ شيئاً لا تدري ما فيه، والله الموفق.
المصدر: كتاب "الأذكياء" لابن الجوزي.

إقرأ أيضاً
للمزيد              
أيضاً وأيضاً







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق