التوحد
سأحكي لكم حكايتي مع سراج، إنه أخي الصغير عمره ست سنوات، مصاب بالتوحد، محبوب ولطيف مع الجميع، لكنه كثير الحركة، ويقوم أحيانًا بحركات غريبة، إنه مختلف ويزعجني بعض الأوقات، إلا أنه يضفي على جمعتنا جوًا من الفرح والسعادة، في المنزل يتبعني ويقلّدني في كل ما أفعل حتى عندما أنجز واجباتي المدرسية، أشعر بمسؤوليتي تجاهه.
في بعض الأحيان ينفرد سراج في غرفته، دون سبب، مثلما حدث ذات مساء، عندما دخل غرفته مسرعًا ومغلقًا بابها بِقوّة، بدى لي غضبان، وشعرت بِهروبه مني، حتى ظننت أنه أتلف شيئًا من مقتنياتي كعادته، مثلما فعل بهدية يوم ميلادي التي أهدتها لي صديقتي المقرّبة، وعادة أسامحه لأن الأمر ليس بيده، وفجأة تذكّرت أنني عاتبته في الأمس حين كتب على الحائط، إن حبّه للتعلّم والكتابة شديد، وسرعان ما يحاول تطبيقه على أي مكان، رغم أنني أعطيته كراسة وأقلامًا ملونة، لِيلوّن ويكتب الكلمات القليلة جدًا التي تعلّمها، لا أنكر أنني في بعض المواقف أقسو عليه، بل وكنت أشعر بالغيرة منه، خاصة عندما كان صغيرًا، بسبب معاملة أمي وأبي وتدليلهما الزائد، لأنه مختلف ويخشيان مضايقته.
ذلك اليوم كنت قلقة وخائفة جدًا عليه، لا أعلم ماذا حصل له، فلم يكلمني منذ الصباح! تساءلت عما فعلت له كي يقوم بهذا التصرّف الغريب؟ لكن لم أتوصّل لِتفسير، لم أشأ أن أزعجه، فربما كان يفعل أمرًا ما، أو يشاهد التلفاز، لكنّي في الوقت نفسه أردت أن أطمئن عليه، فكّرت كثيرًا أن أطرق باب غرفته، لكن قررت أن أتركه لِوحده فترة من الزمن بينما أنشغل بتصفّح ألبوم الصور وأسترجع ذكرياتها ريثما يخرج، ذكّرتني الصور بالأعوام السابقة حين سافر أبي وانشغلت أمّي بِعملها خارج المنزل طوال النهار، كنت مُجدّة دائمًا ومجتهدة، إحدى الصور ظهر فيها سراج وهو يحاول تقليدي وأنا أتعلّم الطبخ، وفي صورة التقطها لي أخي ظهر وجهي عابسًا وحزينًا أذكر أنّني كنت قد تشاجرت معه لِأمرٍ ما، وحين رأيت الصورة ضحكت كثيرًا، بينما استوقفتني صورة سراج في المستشفى حين تعرّض لِحمّى شديدة، بدا نحيلاً وأحمر الوجه، الصور جعلتني أفكّر كم أحبّ أخي الصغير! وكم هو مميّز عن غيره!؟
وأطلقت العنان لِأسئلة كثيرة، دفعتني للتّفكير به من جديد، حتى شعرت بالخوف الشديد عليه، وفكّرت أن أتّصل بوالدتي وأعلمها بالأمر، فقد يكون مريضًا أو مغمى عليه، أو قد يكون حزينًا ومكتئبا لِغياب أمي وأبي طوال اليوم، إنهما يبذلان كلّ ما بوسعهما لِسعادتنا.
وبينما كنت أقلّب ألبوم الصور بسرعة، ودون أن أنتبه، خرج سراج من غرفته واقترب منّي ببطء وأعطاني ورقة مطوية، ثم وقف هادئًا على غير عادته، فتحت الورقة ووجدته قد كتب عليها كلمة «كبحأ»! تمعّنت بها جيدًا، وسرعان ما فهمتها، إنها كلمة أحبك، إحدى الكلمات البسيطة التي تعلّمها، عانقته، وضحكنا وقلت له: «لازلت تتعلّم، كتبت الكلمة بالمقلوب، لكنك أخ رائع»!
المصدر: 1
مواضيع تهم الطلاب والمربين
والأهالي
إقرأ أيضاً
قصة للأطفال: سلمى والسيدة دمعة
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7
مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على
المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل
المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن
شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة
شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث
عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات
وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات
وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق