أيام أنْ كانت المخابرات الليبيه تعتقل أيَّ رجلٍ
مُطلق لحيتة، كان لي صديقٌ يسكن بجواري يُدعى "خْضيْر"، وكان يطلق لحيةً
طويلة ليُخفي اعوجاجاً في فكّه (اللهم لا اعتراض على خلقك).
وفي إحدى المرات كنتُ راكباً البسكليت ذاهباً إلى
شغلي، وإذْ بسيارة جيب وفيها ثلاثة رجال تبدو عليهم الهيبة يلبسون سترات سوداء، سألوني:
أين بيت "خْضيْر"؟ فأرشدتهم إليه، ثم سألوني عن أخلاقه ودينه...
لما
حدّقْتُ بهم صار عندي حدسٌ وحِسٌّ استخباراتيٌّ، وعقلي صار يضرب أخماساً
بأسداس... قلتُ في نفسي" أكيد
هؤلاء ضباط مخابرات يبحثون عن "خْضيْر" لاعتقاله بسبب لحيته، ويعتقدون
أنه مُتَعَصِّبٌ ومُتَطَرِّفٌ"...
علماً
والشهادة لله فإن "خْضيْر" رجل آدمي وطيب كثيراً، لكنني خفتُ عليه وكذبتُ
عليهم وقلت لهم: "يا عمي "خْضيْر" أكبر
نسونجي، وشرّيب خمر بالحارة، وبحياته ما ركع ركعة لله...
فصار
الرجال يضحكون وركبوا بالسيارة وانصرفوا... دون أن يدخلوا بيت "خْضيْر.
أنا
لم أفاتح "خْضيْر" بالموضوع حتى لا يقلق ويخاف على نفسه، لكن الذي حدث
عكس ما توقعت، فقد اختفى "خْضيْر"، ولم أعد أشاهده لا بالشارع ولا
بالشغل، ومضى عشرون يوماً على هذه الحال... فذهبتُ اسأل عنه، والتقيت بأمه، سألتها: خالة أين "خْضيْر"؟
قالت:
"خْضيْر" مريض منذ عشرين يوماً يا بني، ناديتُ عليه فخرج، وإذا به شاحب
اللون، غائر العينين كأنه طالع من القبر...
فقلتُ
له: خير ما بك؟!!. قال: أُسكتْ.. كنتُ أحبُّ
فتاةً، وقبل الخطبة بيومين، جاء أهلُ الفتاة وسألوا عني وعن أخلاقي.. وما بعرف مين
إبن الكلب الذي شهد عليّ وقال: "أنني نسونجي، وسكِّير وما بخاف من
الله ولا بصوم ولا بصلي".. فلما ذهبت إليهم ضربوني ورفضوا يخطبوها لي".
فقلتُ
في نفسي: لقد قضيتُ على مستقبل خضير بسبب مشاعري
الإستخباراتية.
إقرأ أيضاً
للمزيد
أيضاً وأيضاً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق