الخميس، 28 مارس 2024

• قصة عجيبة: الحذاء الخشبي

وَعد

يعتقد أناسٌ كثيرون أن كل الناس في هولندا يلبسون أحذية خشبيّة. البعض لا يزال بالطبع، خاصة الفلاحين وآخرين ممن يعيشون في الريف. لكن من الصعب العثور على أحذية خشبية حقيقية، كما اكتشف جان عندما حاول الحصول على زوجٍ منها لسائح أمريكي.

في أحد أيام السبت في مارس أمام دكان تُباع به شرائح البطاطس والآيس كريم، ركن جان دراجته الصغيرة بجانب الدراجات البخارية وانطلق للداخل. وضع نقوده على الطاولة وقال: (آيس كريم). وقف كيز بمعطفه الأبيض خلف الطاولة يصنع شرائح البطاطا، (في هذا الطقس البارد؟)، سأل كيز (والثلج لا يزال يتساقط؟! لكن بإمكانك أن تحصل عليها).

(ذلك أمريكي يجلس هناك)، قال كيز (سائح).

سائح! عَلِمَ جان عن السياح من التلفاز. لكنه لم يرَ سائحاً حقيقياً. لم يأتوا إلى هنا أبداً لأنه لم يكن هناك ما يثير لرؤيته في هذه القرية الصغيرة ، فقط المستنبتات الزجاجية لزراعة الطماطم والخيار، والتوسعات الإسكانية.

إلا أنه بدا عاديا (يريد أن يشتري حذاء خشبياً)، قال كيز(حذاء أطفال لابنته الصغيرة. جاء خصيصاً من روتردام بالحافلة ليشتري حذاء خشبياً! أخبرته أن يذهب لمحل الهدايا التذكارية). قال(لا، أريد حذاءً خشبياً حقيقياً كتلك الأحذية التي يلبسها الناس هنا.

(أتعرف أي محل تباع فيه الأحذية الخشبية يا جان؟) لَحَسَ جان بوظته الزهرية - إنه لسؤال صعب - أكمل كيز (لا أحد منا يعرف. يعتقد السياح أننا كلنا نلبس أحذية خشبية هنا!)

(تعرف أمي محل أحذية خشبية)، قال جان.

(أسمعتم ذلك؟) صاح كيز بزبائنه، (هذا الولد يعلم من أين تحصلون على أحذية خشبية!) نظر الكل إلى جان باحترام، وتمنى لو أنه بقي صامتا. بعدها بلحظة وقف جان خارج الدكان بورقة العشرة جلدرات التي أعطاها إياه الأمريكي المبتسم. كما كان معه قطعة خيط بحجم الحذاء الخشبيّ الذي أراده الأمريكي. ركب جان دراجته وانطلق للبيت. تذكر فجأة أن أمه لن تكون في البيت حتى بعد العشاء. لكن قد يعرف والده أين تباع الأحذية الخشبية.

كان والده في غرفة المعيشة يلعب الشطرنج مع فرِد شقيق جان الكبير.

(أتعرف محل أحذية خشبية يا أبي؟) سأل جان.

(لماذا تريد حذاء خشبياً؟) سأل أبوه.

روى جان لوالده القصة.

غضب الأب، (يا له من سُخف!؟ يظن أولئك الغرباء أننا لانزال نسير بأحذية خشبية أين ذلك الرجل؟)

(في الدكان)، أعاد جان.

(أخبره إذن بأن هذه بلاد حديثة، بالمصانع الضخمة. وبالميناء الأكبر في العالم، ميناء روتردام! أخبره بأننا لسنا فلاحين بأحذية خشبية).

ضَرَبَ الأب الطاولة بقبضة يده. فقفز جان للخلف مندهشاً، أعليه أن يخبر كل هذا للغريب؟

أَرادَ أن يعود للدكان ويخبرهم أنه لا يعرف محلاً رغم كل شيء. إلا أنه تَذَكَّرَ أن هيني لديها حذاء خشبي.

كانت هيني رفيقة صفه تقطن مركب بيت في الزودربلاس، وليست بعيدة على الإطلاق. أخذ جان طريق دايك المزدحم الذي يمر بالقرية.

كانت هناك ريح معاكسة قويّة. ومن حين لآخر كانت تهدر شاحنة بجانب جان على دراجته. لكنه كان معتاداً على ذلك. شكت أمه دائماً (طفل على دراجته في مثل حركة المرور هذه! عمره ثماني سنوات فقط). لكن والده قال (كوني منطقية. كل الأطفال هنا يركبون دراجاتهم عبر حركة مرور السيارات. كما أنه يتحكم بمقود دراجته أفضل منك).

استدار جان لليسار وعبر الجسر الضيّق على طول القناة العريضة. سقط مرتين في حياته في القناة، مرة بينما كان يصطاد السمك، ومرة عندما كان يركب دراجته. قال له أبوه (إذا ما وقعت في القناة مرة أخرى، سآخذ دراجتك وعندها ستذهب للمدرسة ماشياً!).

وجد هيني على ظهر المركب تغسل كلبها في سطل.

(مرحبا)، قال جان.

(مرحبا)، ردت هيني.

(أما زال لديك حذاؤك الخشبي؟)

(ماذا ؟)

(حذاؤك الخشبي. كان لديك حذاء خشبيّ)

(آه، نعم)، قالت هيني وهي مُستمرة في غسل كلبها.

(أريد شراءه)، قال جان (بعشرة جلدرات).

فلتت هيني الكلب وقفز بعيداً وهز نفسه.

(لا أستطيع فعل ذلك) قالت (لا أستطيع قبول المال).

(اسألي أمك) قال جان.

(ليست في البيت، ذهبت لزيارة جدتي). ثم قالت هيني فجأة:

(بإمكاني أن أبادله).

(مقابل ماذا؟) سأل جان.

أشارت هيني لحذاء جان. كان ينتعل حذاء رياضياً. فَكَّرَ جان، إذا ما بادل حذاءه بالحذاء الخشبيّ سيتمكن من الاحتفاظ بالجلدرات العشرة التي كانت في جيبه.

(احضري الحذاء الخشبي الآن). قال جان بفارغ الصبر.

ذهبت هيني للداخل.

(ها هما)، قالت هيني لاهثة عندما عادت أخيرا بالحذاء الخشبي،(أتظن أنك تستطيع ركوب دراجتك به؟) حرك جان رأسه وهو يتأكد من حجم الحذاء الخشبي بالخيط. سيكون أكبر قليلاً للبنت الأمريكية، لكنه كان مناسباً له. (شكراً لك)، قال (وداعاً يا هيني).

أصبح الطقس أسوأ وهبّت الريح بعنف أشد وبدأ المطر بالهطول. عندما ركب جان الدراجة، ظل الحذاء الخشبي ينزلق عن دواستي الدراجة .انطلق مرة أخرى عبر الطريق الضيّق وسط الريح وكان على وشك أن يستدير في طريق دايك المزدحم إلا أنه أوقع إحدى فردتي الحذاء الخشبي، حاول جان أن يمسك بها بقدمه الا أنه فقد توازنه وألقى به الهواء في القناة - الدراجة وكل شيء.

لهث وأزاح العشب بيديه. لا حاجة للسباحة، فقد وقع في الضحل من القناة. زحف للضفة وأمسك بيد مقود الدراجة ودفعها للشاطئ. كان أحد الحذاءين مُلقى في الطريق و الآخر طافيا كقارب صغير وسط القناة. (لن أقوم بهذا) صاح جان (فليعد الأمريكي من حيث أتى. فقدتُ حذائي، ومن المؤكد أن والدي سيأخذ الدراجة مني). لكنه استعاد الحذاء المفقود، ثم سوّى مقود الدراجة بغضب ووضع الحذاء الخشبي في حقيبة الدراجة وركب بجوربيه، فقط الآن شعر جان بالريح الباردة كالثلج عبر سترته. استدار حول المنعطف وأصبح في طريق دايك المزدحم ثانية. لم ينظر إليه أحد ولم يلحظ أحد كم كان مبللاً، تَحَسَّنَ شيء واحد الآن، أصبحت الريح على ظهره، كانت العاصفة وراءه.

كانت الدنيا قد اعتمت عندما وصل جان الدكان. كان كيز الوحيد هناك قال كيز: (غادر الأمريكي، للتو).

(أين ذهب؟) سأل جان (لدي الحذاء الخشبي).

(لا أعرف، ربما ذهب لروتردام. إنها السادسة الآن. ويذهب كل شخص لبيته للعشاء).

ألقى كيز نظرةً أخرى على الولد الصغير وسأله (سقطت في الماء؟).

لم يُجب جان وخرج من الدكان راكضاً. كل ما يريده الآن أن يذهب إلى أمه. عندما وصل باب بيته تَذَكَّرَ أنها لم تكن في البيت.

لذا قَرَّرَ أن يَتَسَلَّلَ للطابق العلوي ليستحم ويرتدي ملابس جافة. سيشتري، يوم الاثنين حذاءً جديداً، ورقة العشرة جلدرات مبللة لكنها لاتزال معه. بينما كان جان يتسلل للطابق العلوي سمع والده وفرد يتحدثان في غرفة المعيشة، كانا يتكلمان بالإنجليزية! بهدوء، فتح باب غرفة المعيشة، ليجد الأمريكي جالساً على الكرسي الجلدي.

كان فرد يتحدث معه، نصف الحديث بالانجليزية والنصف الآخر بالهولندية يصرخ بشيء حول تلوث الهواء.

(لا. لا!) صاح الأب (محطات المياه) كان الأمريكي يصغي بأدب، فجأة رأى جان، نهض وقال (مرحباً).

(أين كنت؟) سأل الأب: (كنا قلقين، ذهب فرد ليبحث عنك وعاد مع هذا السيد).

أمسك جان بالحذاء الخشبي أمامه. أخذه الأمريكي بحرص بيديه، كان لايزال مبللاً قليلاً. لكن من الممكن تجفيفه.

صاح الأب (أكانت تمطر؟ أم أنك وقعت في القناة ثانية؟)

(ذهبت لأبحث عنك في الدكان)، قال فرد (وخرج الأمريكي وسأل عن الحافلة. قال إنك لم تعد! ثم قلت يا سيد إذا ما وعد أخي الأصغر أن يحصل على الحذاء الخشبي فإنه سيحصل عليه حتى لو ذهب للقطب الشمالي).

(في القناة؟) صاح الوالد (لا أصدق ذلك. خذ حماماً ساخناً، بينما أعمل لك فنجاناً من الكاكاو)، ولم يقل شيئاً عن أخذ الدراجة! (اذهب)، قال الأب (لقد حدثنا صديقك الأمريكي عن حقيقة الأمر في هذا البلد).

نظر الأمريكي إلى الحذاء الخشبي الصغير بفرحة. قال (حذاء خشبي حقيقي لابنتي الصغيرة. حذاء خشبي حقيقي كذلك الذي ينتعله كل الأطفال الهولنديين). قالها بالإنجليزية لكن جان فهمها. ركض جان وهو يصفر للأعلى ليأخذ حماماً.

جودت أحمد الحمد


إقرأ أيضاً:

قصة للأطفال: سارة تعرف البحر

قصة مَثَل: صَدَقَ من سمّاك غادر

قصة للأطفال: سِرّ الدُّمى الثلاث

قصة حرب: الشقيقان على شفير الهاوية

قصة للأطفال: الوفاء من وفاء

للمزيد             

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية

المصدر: 1






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق