الثلاثاء، 4 يوليو 2023

• قصة وحكمة: لا تسمح لأحد أن يتفوق عليك


حتى أنت يا بروتوس

أَتَتْ أُولى اختراقات يوليوس قيصر نحو قمة المجتمع الروماني في عام 56 ق. م.، حين تولّى منصب أمين عام الخزائن أي الموظف المنتخب للإشراف على توزيع الغِلال وتمويل الاحتفالات الشعبية.

وقد تَحَقَّقَتْ شهرته لدى الجماهير بعد أن نَظَّمَ باقتدارٍ سلسلةً من الاحتفالات المُبهرة والمكلفة من صيد الحيوانات البرية وعروض المجالدة والمنافسات المسرحية، وكان يدفع بعض تكاليف هذه الاحتفالات من ماله الخاص.

أصبح اسم يوليوس قيصر مرتبطاً في أذهان الجماهير بهذه الأحداث التي يعشقونها، وبعد أن تَرَقّى إلى منصب القنصل كانت جماهيريته واشتهاره بأنه رجل المهرجانات العظيم الأساس الذي بَني عليه سطوته.

في عام 49 ق. م. کانت روما على شفا حربٍ أهلية بين قائديها المتنازعين قيصر وبومبي، وفي ذروة التوتر واحتدام الصراع ذهب قيصر الذي كان مُدمناً على ارتياد المسارح لحضور أحد العروض، وأثناء عودته إلى معسكره ضَلَّ طريقه وتاه في الظلام. كان قيصر قد أقام معسكره خارج الحدود على ضفة نهر الروبيكون الذي يفصل إيطاليا عن بلاد الغال (التي هي بالتقريب فرنسا وبلجيكا الحاليتين)؛ لأن عبوره النهر وعودته بقواته إلى إيطاليا كانت تعني بدء الحرب فوراً مع بومبي.

عَرَضَ قيصر على قادة قواته الخيارين بأداءٍ مسرحيّ يُشبه أسلوب هاملت الذي صاغه شكسبير بعد ذلك بكثير، وأنهي مناجاته بإشارة إلى البعيد حيث كان يظهر شبحياً في الظلام جنديٌ يعبر جسراً فوق النهر ويطلق نداءً بالبوق، صاح بهم قيصر: «لنأخذ ذلك كإشارة من الآلهة ونذهب إلى حيث تأمرنا؛ أي إلى الانتقام من أعدائنا المنافقين. حُسِمَ الرأي ونُفِّذَ المكتوب».

كان قيصر يتكلم إلى جنرالاته وينظر في عيونهم بثبات كأنه نذيرٌ من السماء. كان قبلها يعلم أن قرارهم لم يكن قد استقر بعد على مناصرته، لكن بيانه وبلاغته أخذا بألبابهم وبَثّا فيهم الحماس والرغبة في عدم إهدار المزيد من الوقت. لم يكن أي أسلوب آخر ليؤدي نفس الأثر، فقد تسارع الجنرالات لنصرته وعبروا نهر الروبيكون وفي العام التالي قضوا على بومبي ليصبح قيصر حاكماً أوحد وديکتاتوراً على روما.

في المعارك كان قيصر يبرع دائماً في لعبِ دور القائد، فكان لا يقلّ مهارةً عن أي فارس من جنوده في امتطاء الجواد، ويتفاخر بتجاوزهم جميعاً في الشجاعة والثبات. كان يهاجم في مقدمة الصفوف بحيث يراه جنوده في قلب المَعمَعة يثبتهم بحماسه، وكان يضع نفسه دائماً في مركز الصفوف فتبرز سطوته لأتباعه رمزاً يوحدهم ومثالاً يحتذون به. كان جيش قيصر أكثر جيوش روما إخلاصاً لقائده، وكان جنوده تماماً كعامة الناس الذين حضروا مهرجاناته يجدون أنفسهم مأخوذين بشخصيته ومتوحدين مع غاياته.

بعد هزيمة بومبي تصاعدت المهرجانات وبلغت حدوداً لم تشهدها روما من قبل، وأصبحت سباقات المركبات أكثر روعة وأصبحت المجالدة أكثر إثارة حيث انضم النبلاء إلى القتال، وأقام عرضاً تمثيلياً هائلاً لحرب بحرية في بحيرة اصطناعية. كانت العروض تُقام في كل الساحات الشعبية في روما، وبُنِيَ لها مسرحٌ ينحدر بشدة أسفل صخرة تاران. تدافعت الجموع من كل الإمبراطورية لحضور المهرجانات، وكانت خيام الزوار تُغطّى الطرق المؤدية إلى روما. وفي عام 45 ق. م. ولكي يجعل عودته من حملته إلى مصر أكثر إجلالاً وسحراً، أتى معه بكليوباترا، وأقام احتفالات أكثر أبداعاً وكلفة.

لم يكن المقصود بهذه الاحتفالات مجرد إلهاء الشعب بل كانت تعزز بقوة من إحساس الجماهير بشخصية قيصر وجعلته يبدو لهم أقرب إلى الأساطير، كان قيصر يُتقن التَّحَكُّمَ بصورته لدى الناس، وكان دائم الانتباه لها والحفاظ عليها. لم يكن يظهر أمام الجموع إلا في رداءات قرمزية رائعة، ولم يكن في مقدور أحد أن يفوقه في المهابة والوقار، وكان معروفاً أنه يختال بمظهره. وقيل أن ما كان يُحبّه في تكريم الشيوخ والشعب له أنهم كانوا يلبسونه أكاليل الغار يخفي بها صلعته. كان قيصر خطيباً مُفَوَّهاً، يوجز الكثير من المعاني في القليل من الكلام، ويعرف اللحظة التي ينهي فيها خطبته لِيُحقِّق أكبر تأثير، ولم يكن يفوته أبداً أن يفاجئ الجماهير ويستثير حماسهم بإعلان شيء جديد في كل مرة يخاطبهم.

أثارت محبة الجماهير الشديدة لقيصر الكراهية والخوف لدى منافسيه، وفي منتصف مارس من عام 44 ق. م. أحاطت به جماعة من المتآمرين داخل مجلس الشيوخ يقودها بروتوس وكاسيوس وظلوا يطعنونه إلى أن فارق الحياة. وحتى في موته ظلّ قيصر محافظاً على حِسِّه المسرحي فسحب رداءه وغطى به وجهه وترك الجزء الأسفل ينزلق إلى قدميه حتى لا ينكشف جسده ويموت بكرامة. وعلى حسب رواية المؤرخ اليوناني سويتينيوس؛ كانت كلماته الأخيرة موجهة إلى صديقه القديم بروتوس حين كان يهم بطعنه الطعنة الثانية، فقال وكأنه ممثل يؤدي مشهداً ختامياً في مسرحية: «حتى أنت يا بني».

المصدر: THE 48 LAWS OF POWER, ROBERT GREEN (ترجمة د. هشام الحناوي)

إقرأ أيضاً:

قصة للأطفال: السماء لا تمطر خبزاً

قصة وحكمة: اظهِر لوليّك عملاً من إبداعك

قصة وحكمة: لا تُفرط أبداً في الطلب

قصة وحكمة: خفِّف من نبوغك مؤقتاً

قصة للأطفال: الأرنب الأبيض

للمزيد              

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق