أمنيةٌ لا تتحقق
كان
أحمد يقف وسط المرصد الضخم المقام فوق تل مرتفع من الأرض، وكانت كل المناظير
المكبرة متجهة إلى السماء، قال أحمد مخاطبا (الدكتور حسن) العالم الفلكي الذي يقف
بجانبه:
- أين هي المفاجأة التي وعدتني بها؟
قال
الدكتور حسن: انتظر قليلاً حتى يحل الظلام وتهدأ سرعة الرياح، بعدها يبدأ عملنا.
كان
الليل مازال في أوله، ونظر أحمد إلى عشرات المناظير العملاقة وهو يقول:
-
ولكن، لماذا كل هذه المناظير؟
قال
الفلكي: هناك مليارات من النجوم في الفضاء، ولا نستطيع بالعين المجردة سوى أن نرى
القليل منها، ولكن هذا المنظار يجعلنا نرى الآلاف، كما يمكننا أن نميز براكين
القمر وجباله، والأراضي التي يكسوها الجليد في المريخ، وحلقات الضوء التي تحيط
بكوكب زحل، إن هذا المنظار يفتح لنا عالما جديداً في الفضاء.
قال
أحمد مدهوشاً: ألم يكن أجدادنا يعرفون شيئاً عن الفضاء؟
قال
الدكتور حسن: كانوا يتخيلونه، لقد وصلت إلينا من بلاد ما بين النهرين لوحات من
الطين المحروق، محفور عليها كتابات تبين أن السومريين كانوا يعتقدون أن الأرض هضبة
تعلوها قبة سماوية، ترتكز على جدار مرتفع، وأن الشمس والقمر يعبران السماء فوق
عربات، تدخل بهما من باب (الشروق) وتخرج من باب (الغروب). وكانت معرفة المصريين
القدماء بعلم الفلك جيدة إلى حد كبير، وقد اكتشف العلماء أن الهرم الأكبر بالذات
كان موجها بدقة نحو الجهات الأربع الأصلية وهي: الشمال والجنوب والشرق والغرب،
وهذا يعني معرفة عميقة باتجاهات النجوم، ولكن رؤيتهم هم أيضاً لما في السماء من
كواكب كان يغلب عليه طابع الخيال. كانوا يعتبرون أن القمر هو عين الإله حورس الذي
يطوف بقاربه عبر العالم، ولكن أعداءه كانوا دائماً يترصدون له من أجل إطفاء هذه
العين وإلقائها في النيل، وغالبا ما ينجح الأعداء في ذلك ويختفي القمر، ولكن أباه
(رع) يسرع لإنقاذه، فيعيد العين إلى حورس وبالتالي يعود القمر إلى السماء.
وكان
الصينيون ومازالوا يعتقدون أن الفضاء مقسم إلى أبراج كل واحد منها له رمز حيوان
معين. ولكننا أصبحنا الآن نعرف الكثير من أسرار الكون وكيف تسير النجوم والنظام
الرائع الذي خلقه الله.
وكان
الظلام قد حل وبدا أن لحظة المفاجأة قد حانت، وأشار الدكتور حسن لأحمد حتى ينظر من
خلال المنظار، كانت السماء المظلمة مليئة بعشرات النجوم المضيئة، بعضها يغلب عليها
اللون الأزرق والبعض الأخر يميل للون الأحمر، ولكن المفاجأة التي جعلت أحمد يحبس
أنفاسه هو ذلك الجسم اللامع الذي ظهر فجأة وسط السماء مندفعاً من الفضاء المظلم
بسرعة كبيرة، وله ذيل طويل من الضوء، أضيئت الظلمة بلون ساحر، كأن نجمة قد تركت
مكانها وأخذت تهوي إلى الأرض، هتف أحمد وهو يكتم أنفاسه: ما هذا؟
رَدَّ
عليه الدكتور حسن وهو يتأمل المشهد من خلال منظار آخر:
-
شهاب يهوي، تَمَنَّ أمنية قبل أن ينطفئ.
تمنى
أحمد أن ينجح وأن تصبح أسرته سعيدة، ولكنه لم يستطع أن يكمل باقي الأمنيات، كانت
رحلة الشهاب قصيرة جداً، وما لبث الضوء الباهر أن اختفى، لم يبق إلا لون النجوم
الهادئ البعيد، قال أحمد:
-
ما هذا هل هو نجم ساقط من السماء؟
قال
الفلكي مبتسماً: البعض يعتقد هذا، بل إنهم يطلقون عليها النجوم الساقطة، وإذا كانت
كبيرة بعض الشيء تسمى (النيازك). إنها قطع ضخمة من الأحجار أو المعادن تسبح في
الفضاء، يقال إنها من بقايا الكواكب والنجوم القديمة، تدور في عدة مدارات حول
الشمس، وتتأثر بجاذبيتها، ولكن أحيانا تختل هذه الجانبية، وتترك هذه الأحجار
مدارها فتندفع نحو الغلاف الجوي المحيط بالأرض، وكما قلت لك إنها مجرد أحجار أو
معادن، غير مضيئة، ولكن هذا الذيل الطويل من الضوء الذي رأيته هو من أثر احتكاكه
بطبقات الغلاف الجوي، فهذا الاندفاع يؤدي إلى تسخينها وتسخين الهواء المحيط بها
إلى درجة 2200 درجة مئوية، ويقول العلماء إن حوالي 200 مليون من الشهب تدخل الغلاف
الجوي كل يوم، معظمها لا نراها.
قال
أحمد مرعوباً: ألا تمثل خطراً علينا؟
قال
الفلكي: من حُسْنِ الحظ أن معظم هذه الشهب حتى الآن صغيرة الحجم بالنسبة لحجم
الأرض، فهي تنفجر أحياناً في الغلاف الجوي قبل أن تصل إلينا، أو تسقط في الصحراء
والمحيطات والأماكن الخالية وتحدث حفراً غائرة في الأرض، أو تحدث نوعاً من الحرائق
في الغابات، وقد اكتشف العلماء أكبر حفرة في الأرض صنعتها الشهب قرب خليج هدسون في
كندا ويبلغ اتساعها حوالي 640 كيلومتراً، ونحن نهتم كثيراً بجمع بقايا الشهب لأنها
تكون مصنوعة من المادة نفسها التي يتكون منها القمر والنجوم، وقد سقط أكبر شهاب في
نامبيا ويصل وزنه إلى 60 طناً.
قال
أحمد: وهل كان القدماء يعرفون الشهب كما نعرفها؟
قال
الدكتور حسن: طبعاً، وكانوا يتفاءلون بها ويتشاءمون كثيراً، على الأقل نحن نعرف
حقيقتها العلمية، إنها مذكورة في ألواح الطين السومرية كما قلت لك من قبل، كما
أنها محفورة على بعض العملات الرومانية، ونحن نفسر بسببها كثيراً من الأحداث
التاريخية الكبرى، ويقال إن بعض المحيطات الواسعة عبارة عن حفرة صنعها نيزك ضخم،
وأكبر صدام حدث في تاريخ الأرض كان منذ حوالي 65 مليون عام عندما سقط نيزك هائل في
المحيط ولشدة حرارته تبخر كل الماء الموجود في المحيط وكون سحابة ضخمة حجبت ضوء
الشمس لسنوات، وبسبب ذلك أصبح جو الأرض بارداً وماتت العديد من الديناصورات
والحيوانات الثديية الضخمة التي كانت تسكن الأرض في ذلك الحين، وهذا هو التفسير
الذي يضعه العلماء لاختفاء هذه الحيوانات الضخمة، وقد اعتقد الرومان عندما ظهر أحد
الشهب في عام 60 قبل الميلاد أن هذا إيذاناً بموت إمبراطورهم الجديد (نيرون) ولكن
نيرون لم يمت، بل إنه قَتَلَ كل الذين كانوا يتمنون موته، وعلى العكس من ذلك، فقد
أدرك الإمبراطور مكتزوما الثاني امبراطور الازتيك، الذين كانوا يسكنون المكسيك،
عندما رأى أحد الشهب أن نهايته قد حانت، وحدث ذلك بالفعل عندما هجم الإسبان عليه
في عام 1517 ودمروا حضارة الأزتيك، وفي الخمسينيات من القرن الماضي ساد نوع من
الفزع في أمريكا عندما اعتقدوا أن المذنب هالي الشهير سوف يصطدم بالأرض ولكن
(هالي) مضى بعيداً.
قال
أحمد مدهوشاً: ما المذنب هالي، يخيّل إلي أنني سمعت هذا الاسم؟
قال
الفلكي: إنه أشهر النيازك وأقدمها، وقد اكتشفه عالم الفلك الإنجليزي أدوند هالي في
القرن السابع عشر، وقال إن عمره نحو ألف عام، وله مسار محدد يظهر أحياناً ويختفي
في أحيان أخرى، ربما كان هو الذي رآه الرومان أو إمبراطور الأزتيك، على أي حال
لعلك قرأت في الجرائد الآن أن هناك مكوكاً للفضاء أطلقته أمريكا خصيصاً لاكتشاف
ظاهرة الشهب وتحديد مسارها.
قال
أحمد مبتسماً: لقد عرفت أشياء كثيرة عن هذا الكون لم أكن أتصورها، ولكن لماذا طلبت
مني أن أتمنى أمنية، هل ستتحقق أمنيتي حقا؟
قال
الفلكي: كنت أمزح معك، هكذا كان يفعل القدماء، وعلينا أن نتفاءل دائماً.
محمد
سيف
إقرأ أيضاً:
قصة للأطفال: الطائر الأكول الجشع
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
المصدر: 1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق