بركان
كان أحمد يتجول في أرجاء المتحف الجيولوجي بصحبة العالم (ذهني)، كان المتحف صامتا تماما، وعينات الصخور صامتة، وبقايا الحفريات صامتة، وصور طبقات الأرض بما فيها من معادن وأحجار كريمة صامتة أيضا، ورغم الشرح الشيق الذي كان يقوله العالم (ذهني)، بدأ أحمد يشعر بالملل، قال للعالم:
-
هل كل شيء في هذا المتحف صامت هكذا، ألا تتكلم هذه
الأحجار؟
قال
الدكتور ذهني في جدية:
-
بالطبع تتكلم، بل وتغضب وتثور أيضا، تعال معي.
سار
الدكتور وسار أحمد خلفه، دخلا غرفة مظلمة، قاعة صغيرة، جلسا معا فوق أحد المقاعد،
وأشار الدكتور فأضاءت الشاشة التي أمامهما وامتلأت بالصور، ظهر جبل ضخم، مخروطي
الشكل ثم ما لبث أن دوى صوت هائل جعل جدران القاعة كلها تهتز، اهتز الجبل الضخم
أيضا، كأن هناك زلزالا ضخما يوشك أن يقتلعه من مكانه، ثم تصاعدت من قمته كمية
كبيرة من الأدخنة السوداء، ملأت الأفق وحولت الضوء إلى ظلمة، حدق أحمد مدهوشا
وأوشك أن يسأل العالم عن تفسير ما يراه، ولكن قمة الجبل كانت قد تحولت إلى موقد
ضخم ينفث النيران، وسالت على جوانب الجبل أنهار من السوائل الملتهبة، كان المنظر
مروعا ومخيفا وجميلا في الوقت نفسه، هتف أحمد:
-
ما هذا؟ ماذا حدث؟
قال
العالم (ذهني): ألم أقل لك إن الأحجار تغضب أيضا، هذا هو حالها، إنها تتحول إلى
بركان ينفث الغازات والنيران ويدمر كل ما حوله.
قال
أحمد: وماذا يعني البركان؟
قال
العالم: حتى أجيبك على هذا السؤال عليك أن تعرف كيف تتكون أرضنا أولا، إنها تشبه
إلى حد كبير البيضة التي تضعها أي دجاجة، هناك أولا تلك القشرة الرقيقة التي نعيش
عليها ويسميها العلماء (الليثوسفير)، وتحتها يوجد البياض، وهو طبقة شبه سائلة يطلق
عليها (الغشاء الداخلي أو السيما) وفي المركز يوجد (الصفار) أو نواة الكرة الأرضية،
وتتكون القشرة الأرضية من ست طبقات منفصلة، وأحيانا تكون هذه القشرة سميكة جدا
فيبلغ سمكها 70 كيلومترا، وأحيانا تكون رقيقة جدا فلا يزيد سمكها عن 10 كيلومترات،
وهي تنزلق في كل مكان، أما طبقة الغشاء فتتكون من صخور شبه سائلة، لزجة، مليئة
بالمعادن المنصهرة والغازات الذائبة، وكلها في درجة حرارة عالية الارتفاع، هذا
الخليط هو (الماجا)، والبركان يحدث عندما يكون هناك شق في القشرة الأرضية، تخرج من
خلاله هذه (الماجا) الملتهبة بكل ما فيها من معادن وغازات كانت محبوسة.
قال
أحمد في صوت مرتعد:
-
يا إلهي، هذا مخيف، هل يحدث هذا في كل مكان؟
قال
العالم: من حسن الحظ أن هناك أماكن معروفة تثور فيها البراكين، فالبركان لا يحدث
فجأة، ولكنه يثور ويخمد لعدد من السنين حتى يظن الجميع أنه قد مات نهائيا ثم يعاود
الفوران من جديد، وأشهر البراكين في إفريقيا في جبل (كليمنجارو)، وفي إيطاليا هناك
بركان فيزوف الشهير، وفي اليابان هناك جبل فيوجي وأيضا هاواي وإندونيسيا التي ثار
فيها بركان هائل منذ فترة قصيرة.
قال
أحمد: ولكن على الأقل نعرف أن البركان يحدث عند قمم الجبال.
قال
العالم:
-
أحيانا يحدث عند الأرض المستوية، ففي عام 1943 شاهد
الفلاح دينسيو بوليدو ظاهرة غريبة، كان فلاحا مكسيكيا بسيطا يعمل في حقله، عندما
رأى الأرض تتشقق ويتصاعد من جوفها أنفاس من الهواء الساخن، تملكه الغضب وأخذ يحاول
ردم هذه الشقوق بواسطة الفأس، ولكن الأرض أخذت تزمجر، وتحول الهواء الساخن إلى
أدخنة كثيفة، ثم زاد الشق في الأرض اتساعا حتى بلغ عشرين مترا، وارتفعت منه قذائف
الحمم الملتهبة، وحل الظلام وقد اشتعلت الأرض كلها بالحمم المنصهرة، في اليوم
التالي تكون في الحقل الذي كان مستويا جبل مخروطي الشكل كالذي تراه.
قال
أحمد: ولكن كيف يندفع اللهب هكذا، كيف يمكن أن يشق الأرض؟
قال
الدكتور ذهني:
-
كما قلت لك إن هناك نقط ضعيفة في القشرة الأرضية تندفع
منها هذه الغازات الساخنة، إن درجة الحرارة المنبعثة من البراكين تبلغ أحيانا
مرتين ونصف المرة ضعف القنبلة النووية، كما أن الحمم التي يقذفها تبلغ حوالي ثلاثة
ملايين طن في المرة الواحدة، ورغم كل هذا الدمار الذي تصنعه فإننا نحصل من
البراكين على الكثير من المعادن التي لم نكن لنحصل عليها لولا ثورة البركان، كما
أن الغبار الخارج منه يكسو التربة بطبقة خصبة تفيد الزرع.
توقف
أحمد قليلا ليلتقط أنفاسه، وليراقب البركان الذي ازدادت درجة غضبه، كانت هناك
بحيرات من الحمم، تنبعث منها نافورات من النيران، كأن هناك قوى عميقة في باطن
الأرض تحرك هذا الفوران المستمر، وأشار إليها الدكتور ذهني وهو يقول له:
-
لقد كان القدماء يطلقون على هذا المشهد (آبار النيران
الأبدية).
التفت
أحمد إليه في دهشة وهو يقول:
-
هل كان القدماء يعرفون البراكين؟
قال
الدكتور ذهني:
-
طبعا، البراكين من أقدم الظواهر الطبيعية، والاسم
الشائع للبركان هو (فولكانو) وهو اسم إله النار عند الإغريق، ويقال إن بركان
(فيزوف) الموجود في إيطاليا الآن بالقرب من مدينة نابولي قد تسبب في تدمير واحدة
من أكبر مدن التاريخ وأكثرها ازدهارا هي مدينة (بومبيي)، وقد مات في هذه المدينة
مؤرخ قديم مشهور هو بلليني، من يومها لم يكف هذا البركان عن الغضب، وقد ترسخ الخوف
منه في نفوس الناس عبر سنوات التاريخ، وفي عصرنا الحديث استغل بعض تجار الأراضي
الجشعين هذا الأمر وأطلقوا إشاعة في عام 1970 أن البركان على وشك أن يثور من جديد
وكانت النتيجة أن الفلاحين باعوا أراضيهم بثمن بخس وفروا بعيدا، وكاد التجار
يستولون على كل الأراضي لولا أن حيلتهم انكشفت. ولكن التاريخ شهد انفجارا أعنف من
بركان فيزوف، فيقال إنه كان في وسط المحيط الأطلنطي جزيرة هائلة ذات حضارة عظيمة
هي أتلاتنيس وقد دمرتها البراكين بين يوم وليلة، وقد بلغ ارتفاع المياه 30 مترا،
وتطاير الرماد البركاني من الجزيرة حتى وصل إلى مصر وهبط عليها كأنه مطر من دم،
وهو الوصف الذي وصف به الكتاب المقدس هذ الحادثة.
واختتم
العالم ذهني حديثه وهو يقول: كما ترى يا صديقي فالبراكين مثل الكثير من ظواهر
الطبيعة، نعمة ونقمة، وسوف يأتي يوم ما تستفيد فيه البشرية من هذه الطاقة الهائلة
التي تفجرها البراكين، وتحول هذا الغضب إلى خير للإنسانية.
محمد
سيف
إقرأ أيضاً:
قصة للأطفال: الفاخوري فنان الطين
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
المصدر: 1
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق