يقول أحد المزارعين: دخل موعد شراء البذور للمزارعين في فلسطين، ولَم يكن لديَّ من المال ما أشتري به بذوراً، فسافرتُ من قريتي الى القدس، حيث سمعتُ بأن هناك رجلاً من الأغنياء الصالحين يقرض المحتاجين إلى أجل.
وعندما
زرتُه في بيته، كانت خزنة المال بجانبه، فقلتُ له: أريد أن أقترض منك مائة دينار
ذهبي لاشتري بها بذوراً للزرع، ولَك عليَّ عهدٌ -بإذن الله- أن أَرُدَّها لك كاملة
بعد الحصاد والبيع، فأخذ الرجل من الخزنة كيساً به مائة دينار ذهبي ومعصوباً بشريط
أحمر من رأسه، وقال لي: تفضل يا أخي. فقلت له ألا تستشهد عليَّ أحد؟ ألا تكاتبني
على دَيْنِك؟ فأجاب: أنا يا أخي لا أستشهد على إقراضي لأحد إلا الله، ولا أستكتب
على إقراضي لأحدٍ إلا بالله، والله خير الشاهدين بيني وبينك.
يقول
المزارع: فخرجتُ من عنده وكانت نيتي سليمة بأني سأشتري البذور وأَزرع وأحصد وأبيع
وأَرُدُّ له كامل ماله بالكمال والتمام، ولكني بعد أن صرت على الطريق قال لي شيطان
نفسي: هذا الرجل لا يعرفك، وأنت من قرية بعيدة جداً عن مكانه، ولَم يستشهد عليك
أحداً، ولَم يكاتبك على دَيْنِه، والمبلغ كبير، فتصرفْ بالمال كما شِئْتَ...
وقد
كنت جائعاً، ففتحتُ كيس المال، وأخذت منه ديناراً ذهبياً، وأغلقت الكيس بالشريط
الأحمر، وذهبت إلى السوق، واشتريت بجزءٍ من الدينار الذهبي طعاماً، وأرجعت باقيه
إلى جيبي، وقفلتُ راجعاً باتجاه قريتي، وجلستُ تحت ظل شجرة برتقال، ووضعتُ كيس
النقود بجانبي، والطعام أمامي، وبدأت آكل طعامي الذي اشتريته، وكانت الغربان كثيرة
في تلك المنطقة نظراً لكثرة الزروع والثمار، فَلَمَحَ غرابٌ الشريطَ الأحمر الذي
رُبط به كيس الدنانير، فيبدو أنه ظنَّه قطعة لحم حمراء، فانقض على الكيس وخطفه من
جانبي وحلّق به سابحاً في السماء عالياً، وجريتُ خلفه حتى دخل وسط الأحياء السكنية
لمدينة القدس الشريفة، واختفى نهائياً
عُدْتُ
إلى مكان طعامي تحت الشجرة، وبكيتُ كثيراً، وندمتُ كثيراً، وحزنت كثيراً، ومَرَّغْتُ
وجهي في التراب ندماً وأسفاً، وناجيتُ ربي مباشرة قائلاً: "اللهم إنك كنتَ
تعلمُ صِدْقَ نِيَّتِي فَسَهَّلْتَ أمري، وعَلِمْتَ الآن سوء نِيَّتِي فجازيتني،
اللهم إني أُشْهِدُكَ بأني سأشتري بذوراً بما بقي من الدينار الذهبي الذي في جيبي،
وأني سأوفي كامل ديني إلى أخي الذي أقرضني في وقته".
ثم
إنّ المزارع ذهب إلى السوق واشترى بذوراً بالمبلغ الذي تبقى لديه من الدينار الذهبي
ورجع الى قريته البعيدة ، وزرع البذور في مزرعته، وكانت صغيرة الحجم، فبارك الله
في زرعه وحمى زرعه من جميع الحشرات والآفات، وحصد الزرع وباع ثلثي الحصاد بأكثر من
مائتي دينار ذهبي، وأبقى ثلث الحصاد لبذور السنة القادمة، وتَجَهَّزَ للسفر لإرجاع
الدين لصاحبه.
وبعد
سفرٍ طويل، دق الباب على صاحب المال، وعندما فتح صاحب المال له الباب وعرفه عانقه
عناقاً شديداً وهو يبكي ويقول: حمداً لله على سلامتك يا أخي ظننتك ميتاً!!!، ودخلا
البيت، فاستغرب المزارع من عناقه وبكائه وشدة ترحيبه به، فسأله: يا أخي لماذا فعلتَ ما فعلتَ
وانا قد جئتك على موعدي لسداد دينك؟
قال
له صاحب المال متعجباً: بعد أن فارقتنا بساعات كانت زوجتي تنشر الغسيل على سطح
المنزل، فإذا بغرابٍ يُسقط كيساً من رجليه على سطح بيتنا، وعندما أحضرتْ لي زوجتي
الكيس فإذا هو نفس كيس المال الذي اعطيتك إياه، وبعد أن فتحته وعَدَدْتُ ما فيه من
دنانير، وجدتُه ناقصاً ديناراً واحداً، فقلت في نفسي بأن قُطاع طريقٍ قد قتلوك
وأخذوا الكيس، وحصل عليه هذا الغراب، فالحمد لله على سلامتك يا أخي، فهلّا أخبرتني
ما كان من أمرك؟
فأخبره
المزارع بقصته، ومَدَّ إليه كيس المائة دينار ذهبيه التي معه سداداً لدينه، فقال
له صاحب المال: مالي صار معي ولا ينقصه سوى دينار واحد.
وأنا يا أخي أهبُك هذا الكيس الذي فيه 99 ديناراً هدية لك على سلامتك، وعلى أمانتك وحُسن وفائك، ولا تترد مستقبلًا للمجئ لأي حاجة في نفسك.
مواضيع تهم
الطلاب والمربين والأهالي
إقرأ أيضاً
قصة ملهمة: عمر المختار
حين ماتت زوجته
قصة حرب: سبارتكوس محرر
العبيد يهزم روما
ماذا
تفعل الوحدة بالناس أثناء وباء الكورونا
قصة ملهمة:
الحسنة بعشرة أمثالها وأكثر
للمزيد
معالجة المشكلات
السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة
الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر
مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس
دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون:
مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية
البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل:
أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء:
نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة:
مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث
ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث
طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
مسلسلات:
نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق