عرف
العرب الحجامة قديماً قبل الإسلام، وطوروا طرقاً جديدة لممارستها. ونجحوا في نشر
تلك الثقافة بين الحضارات العربية العديدة. وطالما حفّز ذلك الطب القديم على إقامة
جدال وتساؤلات عدة حوله، آخرها تعليق ديفيد كولهون، خبير العقاقير من جامعة كوليدج
البريطانية: "خزعبلات قديمة وعلاجات زائفة غالية الثمن ومحفوفة
بالمخاطر"، واصفاً علاج الحجامة الذي ينتشر بشكل كبير بين الرياضيين ومشاهير
الغرب، كشكل من أشكال الطب البديل، بعد فشل الطب الحديث في علاج عدد من الحالات
المرضية.
ما
هي الحجامة؟ وإلى أي حقبة تاريخية تعود؟ وهل هي فعالة حقاً أو مجرد علاج تقليدي
قديم كما يدّعي الطب الحديث؟
أليكس
نادور لاعب الجمباز الأمريكي، حين سئل عن آثار العلامات الدائرية على جسده، صرح
بأنها آثار خضوعه للحجامة، التي وصفها بأنها أفضل طرق العلاج البديل، وسر صحته
ونشاطه، إذ خلصته من الآلام والإجهاد الناتج عن التدريب لفترات طويلة، وجددت لديه
الشعور بالحيوية والطاقة.
لم
يكن أليكس الرياضي الوحيد الذي طبق الحجامة. فقد ظهرت آثارها أيضاً على جسد السباح
الأمريكي مايكل فيليبس، وغيره من لاعبي الأولمبياد. وقد سبقهم في تطبيقها والتعرف
إليها بعض مشاهير هوليوود، كالممثلة جوينيت بالترو، وفكتوريا بيكهام، وجينيفر
أنيستون، وجاستين بيبر وغيرهم. وذلك أثار لدى الغرب رغبة في التعرف إلى هذا النوع
من العلاج. وتضاربت آراء الأطباء والمختصين، بين مؤيدين لفعالية الحجامة ومشجعين
على تطبيقها كشكل من أشكال الطب البديل، ومعارضين لها معتبرين أنها وسيلة لتبديد
المال وعلاج السذج.
أصل الحجامة
تطلق
تسمية الحجامة على عملية سحب الدم من سطح الجلد، باستخدام كؤوس الهواء من دون
إحداث أو بعد إحداث خدوش سطحية بمشرط معقم على سطح الجلد، في مواضع معينة، تتعلق
بمكان المرض، والحجم في اللغة العربية يعني المص، وسميت كذلك لما فيها من مص للدم
في موضع الشرط.
تعد
الحجامة من أقدم طرق العلاج في العالم، يعود تاريخها إلى أكثر من خمسة آلاف عام،
فكانت أهم الوسائل العلاجية لكثير من حضارات العالم القديم، وتطبق من خلال وسائل
بدائية متوافرة آنذاك، كالكؤوس المعدنية وقرون الثيران وأشجار البامبو، التي يتم
تفريغها من الهواء بعد وضعها على الجلد عن طريق المص.
ولعل
أقدم من عرف الحجامة وطبقها في العلاج، كان الفراعنة. فظهرت رسوم ونقوش تصور عملية
الحجامة في مقبرة توت عنخ آمون، ومعبد كوم أمبو الفرعوني، إضافةً إلى وجود كؤوس
معدنية، وقرون حيوانات تحوي ثقوباً لمص الدم. ويُعتقد أن المصريين القدماء أول من
طبق الكؤوس الزجاجية في الحجامة، التي تقوم على تفريغ الهواء منها، بحرق قطعة من
القطن أو الصوف عوضاً عن المص، لينقلوها لغيرهم من الشعوب كالسومريين والأشوريين.
وعُرفت
الحجامة كذلك عند الصينيين القدماء، فورد في كتاب (الإمبراطور الأصفر للأمراض
الداخلية)، وهو كتاب طبي مصنوع من الحرير عمره 4000 آلاف، اكتشف عام 1973 في مقبرة
الأسرة الملكية هان في الصين، وصف دقيق للعلاج بالحجامة، التي كانت تدعى (طريقة
القرن) نسبة إلي قرون الحيوان. في حين ذكرت كتب صينية أخرى طريقة الحجامة، باستخدام
الكؤوس الزجاجية بدلاً من القرون، كما كانت الحجامة منتشرة قديماً في شبه القارة
الهندية وعند الإغريق والرومان.
الحجامة عند العرب
عرف
العرب الحجامة قبل الإسلام نتيجة انتشارها في المجتمعات المجاورة لهم، حتى أنهم
طوروا طريقة جديدة لها عرفت بحجامة دودة العلق. وهي دودة حمراء تعلق بالبدن لتمص
الدم المحتقن في أماكن وضعها.
ولما
جاء الإسلام أقرها وتداوى بها الرسول محمد، ما ساهم في انتشارها عند العرب
المسلمين كسنة نبوية.
تحدث
الأطباء العرب القدماء عن الحجامة في مؤلفاتهم، فذكرها الرازي بشكل مفصل، وعدد
فوائدها وطرائق تطبيقها. وبيّن ابن سينا ثلاث فوائد لها، في حين قسمها الزهراوي
إلى قسمين أساسيين: الحجامة بالشرط والحجامة الجافة، والأخيرة تستخدم في الأعضاء
التي لا تحتمل الشرط عليها، كالكبد والطحال والثديين والبطن والسرة وموضع الكلى
والورك. والغاية من إجرائها جذب الدم من عضو إلى عضو، كما أوضح بالرسم شكل المحاجم
وطريقة تطبيقها.
تقليد شعبي أم علاج فعال ؟
الطبيبة
سيرين الحموري المتخصصة في الطب البديل والعلاج بالحجامة من مدينة عمان، توضح:
"الحجامة أو الـ
cupping therapy وإن كانت تطبق في العالم
العربي كسنة نبوية وشكل من أشكال الطب التقليدي القديم، دون إجراء دراسات عربية
عليها، إلا أن ادعاء بعض الأطباء الغربيين عدم فعاليتها وانتشارها في بلادهم دون
إجراء تجارب سريرية عليها، هو ادعاء كاذب.
فقد
اعتمدها الغرب بعد دراسات علمية دقيقة، بدأت عام 1960، بقيادة طبيب ألماني، وبعد
أن أثبتت فعاليتها وأمان تطبيقها، بدأت تطبق كشكل من أشكال الطب البديل في بلادهم.
وما زالت الجمعية الدولية لأطباء الحجامة تقدم الدراسات الجديدة عنها، وتزود
الأطباء بها، حتى أنها حالياً تدرس في الجامعات الأمريكية والأوروبية كشكل من
أشكال الطب الصيني".
وعن
آلية عمل الحجامة وفوائدها، تقول: "تعمل الحجامة على تنظيف الأوعية الدموية
الدقيقة من الدم المترسب على جدرانها، وعلى تنشيط الجهاز اللمفاوي والدوري وفتح
القنوات الكهرومغناطيسية في الجسم، ما يفسر فوائدها في علاج أمراض عديدة، مثل
الشقيقة والقلب ومرض الضغط والسكر، والصداع النصفي والقلق، وقلة النوم وأمراض
المناعة الذاتية. وتؤدي لتحسن واضح في وظائف الكبد، والعديد من الأمراض الجلدية،
وفي علاج أمراض كالربو، والشلل النصفي وشلل الوجه. وأثبتت دراسات عديدة فعاليتها
في تحسين تعداد كريات الدم، وتخفيض الإحساس بالألم المرافق لبعض الأمراض كالتهاب
المفاصل وانزلاق الفقرات وغيرهما، من خلال زيادة إفراز الأندورفين الداخلي".
الحجامة الرطبة أم الجافة؟
تشرح
الحموري الفروق بين أنواع الحجامة بالتطبيق وبالفعالية: "تقوم فكرة الحجامة،
على سحب الدم من مواقع معينة من الجسم، غالباً ما تكون قريبة من مكان المرض أو
الإصابة، بواسطة كؤوس خاصة تفرغ من الهواء أثناء لصقها على الجلد".
وتضيف:
"تنقسم الحجامة إلى حجامة جافة تطبق على المريض دون اللجوء إلى المشارط، أو
عمل جروح مكان وضع كأس الهواء المقلوب على مواضع الجسم، وإلى حجامة رطبة يتم فيها
إجراء جروح بسيطة تسمح بخروج الدم منها، مكان وضع كؤوس الهواء. وبالطبع فعالية
الحجامة الرطبة تفوق فعالية الحجامة الجافة، فالجافة تجمع الدم الهرم والسموم،
وتحبسها في فلتر الجلد، لتصل بعدها إلى الجهاز اللمفاوي، الذي يطرحها عن طريق
مفرزات الجسم كالبول والعرق وغيرها.
أما
الحجامة الرطبة فهي تقوم بذلك، إضافة لإخراج السموم والدم الهرم من الجسم عن طريق
الخدوش السطحية على الجلد، وترسل رسائل للدماغ عن طريق العصب الحسي الموجود في
الجلد، بأن الجسم يُهاجم ويفقد دم، فيحصل الجسم على رد فعل لإنتاج الأندورفين، وهو
الهرمون المسؤول عن تخفيف الشعور بالألم، والإحساس بالراحة والتحسن، بكميات كبيرة،
كما يرسل أوامر لنخاع العظم لإنتاج كريات دم جديدة، وتكوين جيل جديد وشاب من خلايا
الدم، قادر على الوصول لجميع خلايا الجسم وتزويدها بالأوكسجين، وحماية الجسم من
الحساسية وغيرها من الأمراض".
محاذير تطبيق الحجامة
يؤكد
بشير مسعود، وهو ممرض سوري متخصص في العلاج بالحجامة منذ عشرين عاماً:
"الحجامة ساهمت في علاج وتخفيف آلام الكثير من المرضى ممن عجزت الأدوية
الكيميائية عن تخفيف آلامهم، ولكنها ليست مفيدة لكل الأمراض كما يدعي الكثير من
ممتهنيها. توجد حالات معينة يمنع إجراء الحجامة فيها، كحالة الأطفال، والمرضى
الذين قاموا بعمل جراحي أخيراً، أو المتبرعين بالدم قبل شهر، وفي حال الإصابة بفقر
الدم وعند المرأة الحامل والنفساء والحائض، وفي حال الإصابة بالزكام أو مرض الكلى
أو الكبد أو زراعة القلب".
وعن
أماكن وضع الكؤوس في الجسم، أجاب: "في جسم الإنسان 500 نقطة للطاقة معروفة
حتى الآن، يمكن تطبيق الحجامة في أي نقطة منها، ما دامت لا تحتوي على أعصاب أو
أوعية دموية رئيسية. قد تطبق في كعب القدم، وظهر القدم، وعلى يمين ويسار العمود
الفقري من أعلى الظهر حتى أسفله، وفي مؤخرة الرأس وخلف الأذنين، والكاهل بين
الكتفين وفي عدة أجزاء من الرأس".
ويلفت
مسعود إلى أنه لا يوجد آثار جانبية للحجامة، ولكن يتوجب على من يرغب بتطبيقها أن
يتوجه لمركز متخصص في العلاج، ليضمن تعقيم الأدوات والتطبيق الصحيح على أيدي
مختصين. فالمعالج يتوجب عليه دراسة حالة المريض، والانتباه لعدم إحداث جروح عميقة
لمرضى السكر وغيرهم، وأن يحذر في حال استخدامه اللهب لشفط الهواء لئلا يحدث حروقاً
سطحية للجلد.
نور
أخرس
تابعونا على الفيس بوك
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
قصص للأطفال وحكايات معبّرة
إقرأ أيضًا
للمزيد
حدوثة
قبل النوم قصص للأطفال
كيف
تذاكر وتنجح وتتفوق
قصص
قصيرة معبرة
معالجة
المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
قصص
قصيرة مؤثرة
مراهقون:
مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
تربية
الأبناء والطلاب
مواضيع
حول
التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضًا وأيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق