السبت، 19 يوليو 2025

• قصة للأطفال: ساعة أبي

الساعة والقلب

تزدان طفولتي بذكريات رائعة لا تمحى من الذاكرة، منها ذكرى تلك الساعة التي اشتراها أبي ذات يوم. ساعة صغيرة الحجم، من النوع الذي يوضع فوق طاولة في بهو المنزل أو فوق منضدة السرير. كانت ساعةً دائريةً ذات ميناء أبيض وزرين في الخلف: واحد تضبط به الساعة وآخر يضبط به المنبه.

في أسفل ميناء الساعة كانت هناك دجاجة بعرف أحمر تنقر حبًا وهميًا بلا توقف... كل نقرة هي ثانية تنصرم من الزمن... كنت لا أمل من النظر إلى تلك الدجاجة وهي تنقر بلا توقف وبلا تعب، كي تخبرنا بأن الوقت يمضي... أحيانا يحلو لي أن أشاكس أبي فأسأله: ألا تشبع تلك الدجاجة يا أبي؟ ألا تمتلئ حوصلتها بالحب؟

كعادته في إبداع الحلول صنع أبي للساعة بيتًا خشبيًا له باب زجاجي، وعلّقه على الجدار يسار الغرفة الرئيسية، ثم وضع بداخله الساعة بعيدًا عن الأيدي العابثة وعن مخاطر التعرض للكسر.

 من حين لآخر يخرج أبي الساعة ليتفحّصها وينظفها من الغبار، أو يضبط منبّهها، ثم يعيدها إلى مأواها وهو يحذّرنا بصرامة من العبث بها. كنت أقف على أطراف أصابعي وأمد قامتي عاليًا فأرى عقرب الثواني الطويل النحيل متحركًا بدأب من اليسار إلى اليمين يحصي الثواني بتكتكة موقعة مسموعة، وأرى الدجاجة مطأطأة الرأس تنقر حبها الوهمي بنهم وشهية مفتوحة...

أفكر أحيانًا أن أعتلي كرسيًا وأخرج الساعة من الصندوق لأشبع فضولي، لكني أتذكر تحذير أبي الصارم فأحجم عن ذلك.

في أيام الشتاء الباردة، كنت أسحب نفسي من دفء الفراش مبكرًا كي أذهب إلى المدرسة. يكون الطقس باردًا والظلمة لا تزال سائدة في الخارج. أرفع رأسي نحو الساعة في علبتها السوداء. أسمع دقاتها بوضوح وأشعر كأنها تخاطبني:

تك تك... تك تك

انهض باكر... نظم وقتك

تك تك... تك تك

ثابر، ثابر... تبلغ حلمك

ألا تذكرنا دقات الساعة بنبضات القلب؟ 

بلى، إنها تفعل...

وقد عبر عن هذه الفكرة بشكل رائع الشاعر العربي أحمد شوقي في بيته الشعري المعروف:

دَقّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَه      إِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَواني

يدق عقرب الثواني ستين مرةً في الدقيقة، وينبض قلب الانسان ما بين 60 و100 نبضةً في الدقيقة، حسب عمر الشخص وحالته الصحية. إذا كانت الساعة تدق وتحرك عقاربها الثلاثة لتخبرنا بالوقت، تنظم شؤوننا وتضبط مواعيدنا، فإن قلب الإنسان، هذه العضلة الصغيرة في جوف صدره، ينبض ليضخ الدم في الشرايين التي تحمل الأكسجين والمواد المغذية إلى مختلف أعضاء الجسم، ويبقينا على قيد الحياة.

تك تك... تك تك

تدق الساعة قائلةً: الوقت ثمين فأحسنوا استغلاله.

بُم بُم... بُم بُم

ينبضُ القلبُ مُعلِنًا: الحياةُ هِبةٌ فحافِظوا عليها.

بواسطة لحسن باكور

المصدر: 1

فيسبوك: https://www.facebook.com/ali.ramadan.206789

منصة أكس: https://x.com/AliRamadan54

جديدنا كتاب:

 100 قصة حب من كل زمان ومكان

  إقرأ أيضاً:

قصة وعبرة: فرصة نادرة

قصة وعبرة: حين يخبئ القدر وجهه الآخر

قصة ملهمة: متسوّل على رصيف المحطة

قصة وحكمة: الديك الأحمر والثعلب

قصة وحكمة: الأسد والضفدع

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية

جديدنا كتاب:

 100 قصة حب من كل زمان ومكان








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق