الصفحات

الخميس، 7 نوفمبر 2024

• قصة وحكمة: القطةُ الفضولِيّةُ

لا تَنشغِل بما لا تُدرك، وابحث عن السَّعادة في البساطة

في سالفِ العصرِ والأوانِ، كانتْ هناك هِرّةٌ شديدةُ الفضولِ، تقطنُ مع أهلِ بيتٍ طيبين، يُظلّلهمُ السكونُ، ويغمرهمُ الدفءُ، في منزلٍ لطيفٍ ذو زوايا عتيقةٍ وأركانٍ تفيضُ بالأسرارِ. تلكَ الهِرّةُ، التي لا يقرُّ لها قرارٌ، تعشقُ التجوالَ بينَ أطرافِ البيتِ، تتسللُ بخفةٍ هنا، وتقتربُ بحذرٍ هناك، باحثةً دوماً عن شيءٍ جديدٍ يروي ظمأَ فضولِها الذي لا يرتوي.

وفي صباحٍ مشرقٍ، تخللتْ الشمسُ زوايا الدارِ وأضفتْ على المكانِ جمالًا لا نظيرَ له، وقعتْ عينا الهِرّةِ على طاولةِ الزينةِ لصاحبةِ الدارِ. كانتِ الطاولةُ تعتليها مرآةٌ عظيمةٌ، صافيةٌ كمرآةِ الماءِ، لم يُسعدِ الهِرّةَ الحظُّ بملامستِها من قبلُ. ولكنْ في هذا اليومِ، تقدمتْ بخطىً مترددةٍ نحوَها، وما إنْ رفعتْ بصرَها نحوَ سطحِها اللامعِ حتى فوجئتْ بما أدهشَها أيّما دهشة؛ إذ رأتْ قطةً أخرى تُحدّقُ فيها بنظراتٍ ملؤها التحدي.

تملّكها العجبُ، وملأها التساؤلُ، فأخذتْ تهمسُ لنفسها: "من تكونُ تلكَ القطةُ؟ ومن أينَ جاءتْ؟" ودونما ترددٍ، مدّتْ مخلبَها الصغيرَ نحوَها، كأنها تريدُ جسَّ تلكَ القطةِ الغامضةِ. وما إنْ لامستِ المرآةَ حتى أحسّتْ ببرودةِ الزجاجِ الصلبِ، ولِدهشتِها، فعلتِ القطةُ الأخرى الشيءَ ذاته، تلمسُ الزجاجَ ببطءٍ وكأنها تسخرُ من محاولاتِها.

ازدادَ ارتباكُ الهِرّةِ، فانتقلتْ بخفةٍ حولَ المرآةِ، تبحثُ عن هذا الكائنِ المختبئِ خلفَها. دارتْ من هنا وهناكَ، تفحَّصتِ الخلفياتِ والزوايا، لكنها لم تجدْ سوى الحائطِ الصامتِ، ولم تلمحْ سوى الفراغِ. عادتْ أدراجَها إلى المرآةِ لتجدَ القطةَ الأخرى لا تزالُ تتحداها بنظراتِها الواسعةِ.

وأمامَ هذا اللغزِ المستعصي، قررتِ الهِرّةُ أن تتخذَ خطوةً جريئةً، فقفزتْ بخفةٍ على الطاولةِ، ووضعتْ كلتا يديها الصغيرتين على جانبي المرآةِ، محاولةً الإمساكَ بتلكَ القطةِ الوهميةِ التي أغاظتْها. مالتْ بجسدِها نحوَها، وانخفضتْ أذناها، وأمعنتِ النظرَ إلى أعماقِ عينيها، باحثةً عن إجابةٍ أو سرٍّ. ولكنْ، مهما اقتربتْ، ومهما جاهدتْ، ظلّتْ تلكَ القطةُ عَصِيَّةً على لمسِها، بعيدةً كأنّما بينها وبين الحقيقةِ حجابٌ لا يُرفع.

وما إنْ اندفعتِ الهِرّةُ بحماسِها، حتى فقدتْ توازنَها وسقطتْ من على الطاولةِ، لتجدَ نفسَها على الأرضِ، متحيرةً وفزعةً. إلا أنَّ القدرَ كان رفيقَها، فقد هبطتْ برفقٍ دون أنْ يمسَّها سوءٌ، فنهضتْ، ونفضتْ عن نفسِها آثارَ الحيرةِ والدهشةِ. وألقتْ نظرةً أخيرةً إلى المرآةِ، وتساءلتْ في خاطرِها: "ما جدوى التعلُّقِ بأسرارٍ لا أعيها، وألغازٍ لا طائلَ من حلِّها؟"

ثم انصرفتِ الهِرّةُ بخطواتِها الهادئةِ، متخذةً من هذا اليومِ درساً، وعزمتْ أنْ تلتمسَ المتعةَ في البسيطِ وتلاحقَ الفرحَ في ما تُدركُ.

إقرأ أيضاً:

قصة وحكمة: الجندي والحصان

قصة وحكمة: الفئران التي أكلت الحديد

قصة وحكمة: الحصان والسائس

نوادر العرب: الحمّال الذي أصبح والياً

قصة أُسطورة: زيوس وهيرا: صراع الآلهة

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق