الصفحات

السبت، 9 مايو 2020

• قصة تاريخية: جَزُّ صوفِ الكِبَاش خيرٌ من سَلْخ جلود الحُمْلان


كان والي دمشق أسعد باشا العظم في يومٍ ما بحاجةٍ إلى المال للنقص الحاد في مدخرات خزينة الولاية، فاقترح عليه حاشيتُه أن يفرض ضريبةً على المسيحيين، وعلى صُنَّاع النسيج في دمشق...

فسألهم أسعد باشا: وكم تتوقعون أن تجلب لنا هذه الضريبة؟ قالوا: من خمسين إلى ستين كيساً من الذهب.
فقال أسعد باشا: ولكنهم أُناسٌ محدودو الدخل، فمن أين سيأتون بهذا القدر من المال؟
فقالوا: يبيعون جواهرَ وحُلِيَّ نسائهم يا مولانا!
فقال أسعد باشا: وماذا تقولون لو حَصَّلتُ المبلغ المطلوب بطريقة أفضل من هذه؟!
في اليوم التالي، قام أسعد باشا بإرسال رسالةٍ إلى المفتي لمقابلته بشكل سِرِّي، وفي الليل وعندما وصل المفتي قال له أسعد باشا: نَمَا إلى عِلْمِنَا أنك ومنذ زمنٍ طويل تسلك في بيتك سلوكاً غير قويم، وأنك تشربُ الخمرَ، وتُخَالِفُ الشريعةَ، وإنني في سبيلي لابلاغ اسلامبول، ولكنني أفضل أن أخبرك أولاً حتى لا تكون لك حجةٌ عليَّ!!!
أخذ المفتي المفجوع يتوسل بما يسمع ويعرض مبالغ مالية على أسعد باشا لكي يطوي الموضوع، فعرض أولاً ألفَ قطعة نقدية، فرفضها أسعد باشا، فقام المفتي بمضاعفة المبلغ، ولكن أسعد باشا رفض مجدداً، وفي النهاية تَمَّ الاتفاق على ستة آلاف قطعة نقدية!
وفي اليوم الثاني قام باستدعاء القاضي وأخبره بنفس الطريقة مضيفاً أنه يقبل الرشوة ويستغِّل منصبه لمصالحه الخاصة، وأنه يخون الثقة الممنوحة له! وهنا صار القاضي يناشد الباشا ويعرض عليه المبالغ كما فعل المفتي، فلما وصل معه إلى مبلغٍ مساوٍ للمبلغ الذي دفعه المفتي، أطلقه، فَفَرَّ القاضي سريعاً وهو لا يصدق بالنجاة!
بعدها جاء دور المحتسب، وآغا الينكجرية، والنقيب، وشيخ التجار، وكبار أغنياء التجار من مسلمين ومسيحيين.
بعدها قام بجمع حاشيته الذين أشاروا عليه أن يفرضَ ضريبةً جديدة لكي يجمع خمسين كيساً وقال لهم: هل سمعتم أن أسعد باشا قد فرض ضريبة جديدة في الشام؟
فقالوا: لا، ما سمعنا..!!
فقال: ومع ذلك فها أنا قد جَمَعتُ مائتي كيس بدل الخمسين التي كنت سأجمعها بطريقتكم، فتساءلوا جميعاً بإعجاب: كيف فعلت هذا يا مولانا؟!
فأجاب: إنَّ جَزَّ صوفِ الكِبَاشِ، خَيْرٌ من سَلْخِ جُلودِ الحُمْلان.
المصدر:  قسطنطين فرانسوا ڤولني (1757 - 1820 م) وهو فيلسوف ورحالة ومؤرخ وسياسي فرنسي.

إقرأ أيضاً
للمزيد              
أيضاً وأيضاً



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق