الصفحات

الخميس، 23 أبريل 2020

• قصة تاريخية: ملحمة جلجامش السومرية



كان "جِلْجَامِّش" ملكاً لمدينة "أورك"، كانت والدته إلهاً خالداً ووالده بشراً فانياً، ولهذا كان ثلثاه إلهاً والثلث الباقي بشر، وبسبب الجزء الفاني منه أدرك أنه أنه لن يكون خالداً، كان "جلجامش" ملكاً غير محبوب من قبل سكان "أورك"، حيث تُنسب له ممارسات سيئة منها ممارسة تسخير الناس في بناء سور ضخم حول مدينة "أورك" العظيمة.

إبتهل سكان "أورك" للآلهة بأن تجد لهم مخرجاً من ظلم "جلجامش"، فاستجابت الآلهة وقامت إحدى الإلهات، واسمها "أرورو"، بخلق رجلٍ حيٍّ من الطين اسمه "أنكيدو"، كان الشعر الكثيف يغطي جسده ويعيش في البرية يأكل الأعشاب ويشرب الماء مع الحيوانات.
كان "أنكيدو" يُخَلِّصُ الحيوانات من مصيدة الصيادين الذين كانوا يقتاتون على الصيد، فقام الصيادون برفع شكواهم إلى الملك "جلجامش"، فأمر إحدى خادمات المعبد بالذهاب ومحاولة إغراء "أنكيدو" ليمارس الجنس معها، وبهذا تبتعد الحيوانات عن مصاحبة "أنكيدو" ويصبح مُرَوَّضَاً ومدنياً، حالف النجاح خطة الملك "جلجامش"، وبدأت "شمخات" خادمة معبد الإلهة "عشتار" بتعليم "أنكيدو" الحياة المدنية، ككيفية الأكل واللبس وشرب النبيذ، ثم أخبرت "أنكيدو" عن قوة "جلجامش" وكيف أنه يدخل بالعروسات قبل أن يدخل بهن أزواجهن.
ولما عرف "أنكيدو" بهذا قَرَّرَ أن يتحدى "جلجامش" في مصارعة لِيُجْبِرَهُ على تَرْكِ تلك العادة، تصارع الإثنان بشراسة، فهما متقاربان في القوة، ولكن الغلبة في النهاية كانت لـ"جلجامش"، حيث اعترف "أنكيدو" بقوة "جلجامش" وبعد هذه الحادثة أصبح الإثنان صديقين حميمين.
حاول "جلجامش" دائماً القيام بأعمال عظيمة ليبقى اسمه خالداً، فقرَّر في يوم من الأيام الذهاب إلى غابة الأرز، ليقطع جميع أشجارها ويقضي على حارس الغابة، وهو مخلوق ضخم وقبيح اسمه "خومبابا"، وكانت غابة الأرز هي المكان الذي تعيش فيه الآلهة في لبنان.
بدأ "جلجامش" و"أنكيدو" رحلتهما نحو غابات أشجار الأرز بعد حصولهما على مباركة "شَمَّش" إله الشمس، وأثناء الرحلة رأى "جلجامش" سلسلة من الكوابيس والأحلام، لكن "أنكيدو" الذي كان في قرارة نفسه متخوفاً من فكرة قتل حارس الغابة طَمْأَنَ "جلجامش" بصورة مستمرة على أن أحلامه تحمل معاني النصر والغلبة.
عند وصولهما الغابة بدآ بقطع أشجارها، فاقترب منهما حارس الغابة "خومبابا" وبدأ قتالٌ عنيف، وكانت الغلبة لـ"جلجامش" و"أنكيدو" حيث وقع "خومبابا" على الأرض وبدأ بالتوسل منهما كي لا يقتلاه، ولكن تَوَسُّلَه لم يكن مُجدياً حيث أجهز الاثنان على "خومبابا" وأردياه قتيلاً، أثار قتل حارس الغابة غضب إلهة الماء "أنليل" حيث كانت "أنليل" هي الإلهة التي أناطت مسؤولية حراسة الغابة بـ"خومبابا".
بعد مصرع حارس الغابة الذي كان يعتبر وحشاً مخيفاً بدأ اسم "جلجامش" بالانتشار وفاقت شهرته الآفاق، فحاولت الإلهة "عشتار" التقرب منه بغرض الزواج، ولكن "جلجامش" رفض العرض، فشعرت "عشتار" بالإهانة، وغضبت غضباً شديداً فطلبت من والدها "آنو"، إله السماء، أن ينتقم لكبريائها فقام "آنو" بإرسال الثور المقدس "ثور السماء المُجَنّح"، لكن "أنكيدو" تمكن من الإمساك بقرن الثور وقام "جلجامش" بالإجهاز عليه وقتله.
بعد مقتل الثور المقدس عَقَدَ الآلهة اجتماعاً للنظر في كيفية معاقبة "جلجامش" و"أنكيدو" لقتلهما مخلوقاً مقدساً، فقررت الآلهة قتل "أنكيدو" لأنه كان من البشر، أما "جلجامش" فكان يسري في عروقه دم الآلهة من جانب والدته التي كانت إلهة، فبدأ المرض المُنَزَّل من الآلهة بإصابة "أنكيدو" الصديق الحميم لـ"جلجامش" ومات بعد فترة.
بعد موت "أنكيدو" أُصيب "جلجامش" بحزن شديد على صديقه الحميم حيث لم يُرِد أن يُصَدِّق حقيقة موته، فرفض أن يقوم أحد بدفن الجثة لمدة أسبوع إلى أن بدأت الديدان تخرج من جثة "أنكيدو"، فقام "جلجامش" بدفن "أنكيدو" بنفسه وانطلق شارداً في البرية خارج مدينة "أورك" وتخلى عن ثيابه الفاخرة وارتدى جلود الحيوانات.
كان "جلجامش" في قرارة نفسه خائفاً من حقيقة أنه لابد من أن يموت يوماً لأنه بشر والبشر فانٍ ولا خلود إلا للآلهة.
بدأ "جلجامش" في رحلته للبحث عن الخلود والحياة الأبدية، ولكي يجد سر الخلود عليه أن يجد "أوتنابشتم" الإنسان الخالد الوحيد.
وأثناء بحث "جلجامش" عن "أوتنابشتم" التقى بإلهة النبيذ "سيدوري"، فنصحته بأن يستمتع بما تبقّى له من الحياة بدل أن يقضيها في البحث عن الخلود، وأن عليه أن يُشبع بطنه بأحسن المأكولات ويلبس أحسن الثياب ويحاول أن يكون سعيداً بما يملك، لكن "جلجامش" كان مُصِرَّاً على سعيه في الوصول إلى "أوتنابشتم" لمعرفة سرّ الخلود، فقامت "سيدوري" بإرسال "جلجامش" إلى الطَوَّاف "أورشَنَابَي"، ليساعده في عبور بحر الأموات ليصل إلى "أوتنابشتم" الإنسان الوحيد الذي استطاع بلوغ الخلود.
عندما وجد "جلجامشُ" "أوتنابشتمَ" بدأ الأخير بسرد قصة الطوفان العظيم الذي حدث بأمر الآلهة حيث نجى من الطوفان هو وزوجته فقط، وقررت الآلهة منحهما الخلود، بعد أن لاحظ "أوتنابشتم" إصرار "جلجامش" في سعيه نحو الخلود قام بعرض فرصة على جلجامش ليصبح خالداً، إذا تمكن "جلجامش" من البقاء متيقظاً دون أن يغلبه النوم لمدة ستة أيام وسبع ليالي فإنه سيصل إلى الحياة الأبدية، ولكن "جلجامش" فشل في هذا الاختبار، إلا أنه ظلَّ يُلِحُّ على "أوتنابشتم" وزوجته في إيجاد طريقة أخرى له كي يحصل على الخلود.
شعرت زوجة "أوتنابشتم" بالشفقة على "جلجامش" وَدَلَّتْهُ على عشب سحري تحت البحر بإمكانه إرجاع الشباب إلى "جلجامش"، غاص "جلجامش" في أعماق البحر في أرض الخلود "دلمون" وتمكن من اقتلاع العشب السحري.
بعد حصول "جلجامش" على العشب السحري الذي يعيد نضارة الشباب قرّر أن يأخذه إلى مدينة "أورك" لِيُجَرِّبَه هناك على رجل طاعن في السن قبل أن يقوم هو بتناوله، ولكن في طريق عودته وعندما كان يغتسل في النهر سرقت العشبَ إحدى الأفاعي وتناولته، فرجع "جلجامش" إلى "أورك" خالي اليدين، وفي طريق العودة شاهد السور العظيم الذي بناه حول مدينة "أورك"، ففكر في قرارة نفسه أن عملاً ضخماً كهذا السور هو أفضل طريقة ليخلد اسمه، وفي النهاية مات "جلجامش" وحزن سكان مدينة "أورك" على وفاته حزناً عظيماً.

إقرأ أيضاً
للمزيد              
أيضاً وأيضاً



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق