في إِحْدَى الْمَعَارِكِ الشَّدِيدَةِ الَّتِي عَلَا فِيهَا زَئِيرُ الْحَرْبِ وَاشْتَعَلَتْ نِيرَانُ الْوَغَى، كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ يُعْرَفُ بَيْنَ قَوْمِهِ بِعَزْفِ الْبُوقِ، لَا بِسَيْفٍ يُشْهَرُ وَلَا بِسَهْمٍ يُرْمَى. وَرَغْمَ أَنَّ الْحَرْبَ لَمْ تَكُنْ صَنْعَتَهُ وَلَا الْقِتَالُ مُبْتَغَاهُ، إِلَّا أَنَّ الْأَقْدَارَ سَاقَتْهُ إِلَى مَيْدَانٍ عَاصِفٍ بِالْغُبَارِ وَالْأَعْدَاءِ. غَامَرَ بِالِاقْتِرَابِ مِنْ صُفُوفِ خَصْمِهِ، فَتَرَبَّصَ بِهِ جُنُودُ الْعَدُوِّ وَأَخَذُوهُ أَسِيرًا، وَزُجَّ بِهِ فِي الْأَغْلَالِ وَالْقُيُودِ.
حِينَما
اقْتَرَبَتْ سَاعَةُ مَوْتِهِ، وَأَحَاطَ بِهِ السَّيْفُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ،
اسْتَنْجَدَ بِنَظَرَاتٍ مِلْؤُهَا الرَّجَاءُ وَالتَّوَسُّلُ، وَقَالَ بِصَوْتٍ
يَرْتَجِفُ كَأَوْرَاقِ الشَّجَرِ فِي الرِّيحِ: "أَيُّهَا الْقَوْمُ، إِنِّي
لَسْتُ مُقَاتِلًا وَلَا صَانِعًا لِلْحَرْبِ، مَا أَنَا إِلَّا نَفَّاخٌ فِي
هَذَا الْبُوقِ، لَا أَحْمِلُ سِلَاحًا وَلَا أُلْقِي رُمْحًا، وَإِنَّمَا
أَنْفُخُ فِي هَذَا الْبُوقِ الَّذِي لَا يُسِيلُ دَمًا وَلَا يَشُقُّ دِرْعًا.
فَبِأَيِّ ذَنْبٍ تُزْهِقُونَ رُوحِي، وَتُطْفِئُونَ شَمْعَةَ عُمْرِي؟"
لَكِنَّ
الْقَوْمَ، وَقَدِ اكْتَسَتْ مَلَامِحُهُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْحَزْمِ
وَالصَّرَامَةِ، أَجَابُوهُ قَائِلِينَ: "أَيُّهَا النَّافِخُ فِي الْبُوقِ،
لَعَلَّكَ لَا تَضْرِبُ بِسَيْفٍ وَلَا تُطْلِقُ سَهْمًا، لَكِنَّ صَوْتَ بُوقِكَ
ذَاكَ كَفِيلٌ بِإِشْعَالِ قُلُوبِ الرِّجَالِ وَتَثْبِيتِهِمْ عَلَى الْقِتَالِ.
فَأَنْتَ وَإِنْ لَمْ تُقَاتِلْ بِيَدِكَ، فَإِنَّكَ تَقُودُ الْجُمُوعَ
وَتَدْفَعُهَا نَحْوَ الْمَوْتِ الزُّؤَامِ."
فَقَالَ
الرَّجُلُ: "لَكِنَّنِي مَا نَوَيْتُ شَرًّا، إِنَّمَا كُنْتُ أُلَبِّي
النِّدَاءَ."
فَقَالُوا:
"إِنَّ الْأَقْوَالَ أَحْيَانًا تُسَاوِي الْأَفْعَالَ، وَصَوْتُكَ الَّذِي
يَعْلُو مَعَ الرِّيحِ هُوَ الَّذِي يَشُدُّ الْعَزَائِمَ وَيَدْفَعُ بِالرِّجَالِ
إِلَى الْقِتَالِ الْمُحْتَدِمِ. وَمَنْ يُشْعِلُ النَّارَ فِي الْغَابَةِ، لَيْسَ
أَقَلَّ جُرْمًا مِمَّنْ يَحْرِقُ الْآخَرينَ بِلَهِيبِهَا."
وَهَكَذَا،
عَلَّمَتْهُ الْمَعْرَكَةُ دَرْسًا لَمْ يَكُنْ فِي الْحُسْبَانِ: إِنَّ
الْكَلِمَاتِ، وَإِنْ كَانَتْ لَحْنًا لَا أَذًى فِيهِ، قَدْ تَكُونُ سَهْمًا
خَفِيًّا يُصِيبُ الْقُلُوبَ قَبْلَ الْأَبْدَانِ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ النَّفْخُ
فِي الْبُوقِ أَشَدَّ وَقْعًا مِنْ ضَرْبَةِ السَّيْفِ، وَأَشَدَّ قَسْوَةً مِنْ
سَهْمٍ يَقْتَنِصُ الْحَيَاةَ.
إقرأ أيضاً:
قصة للأطفال: الذئب والأصدقاء الثلاثة
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق