أحب أبي، وأسمع بشغف
حكاياته الظريفة، وأطيعه دائما فهو أستاذي وإمامي في الصلاة وصديقي، ويرضيني أنني
أحقق في الامتحانات درجات عالية، لأن ذلك يسعده.
في بعض الحالات النادرة
أختلف مع أبي في الرأي، من ذلك مثلاً أنه لا يرحب بصداقتي لعصام زميلي في الفصل.
يقول أبي إنه يشعر بأن في سلوكه ما يريب، ويطالبني بأن أبتعد عنه وعن كل ما يثير
الريبة.
أُصارِحكم أنني لم أفهم ما
الذي يقصده أبي بالريبة. أنا أعرف الصواب والخطأ، والحلال والحرام. ولا أرى في ما
يفعله عصام خطأ أو حراماً.
يسكن عصام مع أسرته في حجرة
على سطح بيت قديم في حينا الشعبي، أبوه يبيع الأشياء القديمة التي
يجمعها من الأحياء الراقية، وأمه تعاون سيدات الحي في تنظيف بيوتهن وطبخ الطعام
وغسل الثياب. وهو فتى هادئ ومهذب، لا يسخر من أحد ولا يؤذي أحداً، وهو نظيف وأنيق
وملابسه وأحذيته دائما جديدة.
يوم الإجازة يمر عصام على
بيتي ومعه عدد من زملائي، ونذهب كلنا إلى حديقة الحيوان أو إلى السينما. يدفع لنا
عصام ثمن بطاقاتنا كلنا وثمن ما نشربه. وأحيانا نذهب إلى أحد المطاعم. ونأكل وجبات
لذيذة ويدفع عصام ثمن كل الوجبات.
لم أرَ في حياتي من هو أكرم
منه. ولم أرَ شخصًا يحب أصدقاءه كل هذا الحب، إذن أين في ما يفعله عصام ما يسميه
أبي بالريبة؟ كثيرًا ما سألت نفسي هذا السؤال حتى حدث ذات يوم ما سوف أحكيه لكم.
كنا في غرفة الصف وحضر
الساعي وطلب من عصام أن يذهب إلى مكتب الناظر، رن جرس الحصة ولم يعد عصام، وفي
الفسحة رأيناه مع شرطي في فناء المدرسة، عرفنا أنه مطلوب في قسم الشرطة، انتهى
اليوم الدراسي وذهبت مع عدد من الزملاء إلى القسم وسألنا عن سبب «استدعائه».
كانت المفاجأة المذهلة أن
عصام ذلك الفتى الهادئ الوديع متهم بكسر عدد من «هوايات السيارات» وسرقة أجهزة
التسجيل منها.
في تلك اللحظة شعرت بأنني
متهم معه. وخجلت من نفسي ومن صداقته. صار كل تلاميذ المدرسة يشيرون لي ويتهامسون،
فلا أجرؤ على النظر إليهم، هل يصدقني أحد إذا قلت إنني لم أكن أعرف شيئا عن نشاطه
السري؟
كنت أعرف دائما معنى الصواب والخطأ، ومعنى الحلال
والحرام. والآن فقط عرفت معنى الريبة.
تابعونا
على الفيس بوك وتويتر
مواضيع تهم
الطلاب والمربين والأهالي
قصص للأطفال
وحكايات معبّرة
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق