الصفحات

الاثنين، 11 نوفمبر 2024

• قصة وعبرة:الرجلُ العجوزُ وحفيدُهُ

القُدوة

في سالفِ العصرِ والأوانِ، وفي بلادٍ نَسَجَتْ من خيوطِ الزمانِ حكاياتٍ وأسراراً، كان هناك شيخٌ طاعنٌ في السّنِ، قارَبَتْ عيناهُ على الانطفاءِ، وخَفَّ سمعُهُ حتى لم يَعُدْ يُدركُ من الهمسِ شيئًا، وكانت يداهُ ترتعشانِ كأوراقِ الخريفِ في مهبِّ الريحِ، فما من لقمةٍ يرفعُها إلا وسقطَ بعضُها على مائدةِ الزمانِ، وما من حساءِ يَشربُهُ إلا تساقطتْ قطراتُهُ على المفرشِ كالدموعِ في كؤوسِ الحزنِ.

وكان ابنُهُ وزوجةُ ابنِه ينظرانِ إلى هذا المشهدِ بعيونِ عتبٍ وانزعاجٍ، ضائِقَيْنِ من رؤيةِ الشيخِ يُحدِثُ فوضى لا تُعجِبُهُم في صحنِه وأكلِه، فقررا أن يُبعِداهُ إلى ركنٍ بعيدٍ من الغرفةِ، هناكَ حيثُ تجلسُ الوَحدةُ بصمتٍ بليغٍ، وجَعَلُوا له وعاءً قديمًا بسيطًا، وقلَّ الطعامُ بين يديْهِ، وكأنَّ الدهرَ قد قسا عليه في شيخوختِه.

وكان الشيخُ ينظرُ إلى أبنائِهِ نظرةَ الحزنِ المُكَبَّلِ بالصمتِ، يُراقبُهم يأكلونَ معًا على الطاولةِ العامرةِ، يهمسُ لنفسِه بأحلامٍ لم يَعُدْ يَنتظرُها في حياتِهِ القصيرةِ المُتبقِّيةِ. وفي يومٍ من الأيامِ، ازدادتْ رعشةُ يديْهِ، حتى سقطَ الوعاءُ من بينِ أصابعِهِ الضعيفةِ، وتَحَطَّمَ أمامَ عينيْهِ الواهِنَتَيْنِ. وما أن رأتْ زوجةُ ابنِهِ ذلك حتى اشتعلَ قلبُها بالغضبِ، ووَبَّخَتْهُ بنظراتٍ قاسيةٍ، ولكنَّ الشيخَ ظلَّ صامتًا كصخرةِ شطٍّ عتيقٍ تضربُها أمواجُ العتابِ دون أن تذوبَ.

وما هي إلا لحظاتٌ حتى كان بينَ يديْ الشيخِ وعاءٌ من الخشبِ، وكأنهم قالوا له إنَّ الزمانَ يُحيلُ القلوبَ القاسيةَ إلى خشبٍ لا يُكسر. وفي تلك الأثناءِ، بينما الأسرةُ غارقةٌ في صَخبِها وأحاديثِها، كان حفيدُ الشيخِ، طفلٌ في الرابعةِ من عمرِه، يجمعُ قطعًا من الخشبِ الصغيرةِ على الأرضِ، منهمكًا بصنعِ شيءٍ بيدِهِ البريئةِ. رآهُ أبوهُ فاستغربَ، وسألَهُ بِرِقَّةٍ: "ما الذي تصنعُهُ يا بُنيَّ؟" فالتفتَ الصغيرُ إليه وقالَ ببراءةِ الأطفالِ ونقاءِ القلوبِ: "أصنعُ وعاءً صغيرًا لأبي وأمي حينَ يكبرانِ، حتى يأكلا منه مثلَ جدي."

عندها، سَكَنتِ الكلماتُ على الشفاهِ، ونظرَ الأبُ إلى زوجتِهِ بعيونٍ امتلأتْ بالندمِ، وامتلأ الجوُّ بخفوتِ الذكرياتِ. فهمَ الأبوانِ رسالةَ الطفلِ التي لا تحتملُ التأجيلَ، وامتلأتْ قلوبُهم بأسىً عميقٍ، إذ أدركا أنَّ قلبَ الشيخِ كصبرِ الزمانِ، لا يطلبُ شيئًا سوى الحنانِ. ومنذ ذلك اليومِ، أعادوا الشيخَ إلى طاولتِهم، فصارَ يأكلُ معهم، يضحكونَ سوياً ويتشاركونَ لُقيماتٍ من الرحمةِ والاحترامِ، لا تُزعِجُهم نظراتُ الحزنِ ولا تذوبُ أحلامُ الشيخِ بعيدًا. وعاشوا جميعًا في سعادةٍ لا يُعكِّرُها الزمانُ، فكانتِ القلوبُ موصولةً بالحبِّ، والعائلةُ مترابطةً كما لم تكن من قبل.

 إقرأ أيضاً:

قصة وحكمة: المرأة والأسد

قصة وحكمة: الإمبراطور جو شابين وضيفه دايناجون

قصة للأطفال: الصديق الوفي

قصة للأطفال: الصديق وقت الضيق

قصة وحكمة: الصديق الوفي، حكاية الوفاء والعطاء

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق