قصة وحكاية: • قصة وحكمة: الأسدُ والدولفين

الصَّدَاقَةُ تَحتاجُ قُوَّةً وَتَوازُنًا

فِي زَمَانٍ بَعِيدٍ، حَيْثُ تَلتَقِي الْأَرْضُ بِالْبَحْرِ، وَتَتَنَاجَى الْأَمْوَاجُ مَعَ نَسِيمِ الْعَصَافِيرِ، عَاشَ أَسَدٌ جَلِيلٌ، عُرِفَ بِشَجَاعَتِهِ وَمَلَامِحِهِ الْمَلَكِيَّةِ، وَصَدِيقٌ وَفِيٌّ، الدُّولْفِينُ ذُو الْبَرَاءةِ وَالْعَذُوبَةِ. كَانَتْ بَيْنَهُمَا صَدَاقَةٌ نَادِرَةٌ، جَمَعَتْ بَيْنَ الْقُوَّةِ وَالْحَنَانِ، وَوَعَدَا أَنْ يَقْفَا إِلَى جَانِبِ بَعْضِهِمَا فِي الشَّدَائِدِ وَالنُّوَائِبِ.

وَذَاتَ يَوْمٍ مُشْمِسٍ، كَادَتْ أَشِعَّةُ الشَّمْسِ أَنْ تَتَرَاقَصَ عَلَى صَفْحَةِ الْمَاءِ، اقْتَرَبَتْ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الضِّبَاعِ الْجَائِعَةِ، الشَّرِيرَةِ، مِنْ مَمْلَكَةِ الْأَسَدِ. كَانَتِ الضِّبَاعُ أَقْوَى وَأَكْثَرَ شَرَاسَةً، تَتَأَهَّبُ لِلِانْقِضَاضِ، وَتَنْتَظِرُ اللَّحْظَةَ الْمُنَاسِبَةَ لِتُشَبِعَ غَرِيزَتَهَا فِي الْفَتْكِ. عَلَى الرَّغْمِ مِنْ شَجَاعَةِ الْأَسَدِ وَرَجَاحَةِ عَقْلِهِ، فَقَدْ أَدْرَكَ أَنَّ قِلَّةَ الْعَدَدِ لَا تُغْنِي عَنْ شَجَاعَةِ الْقَلْبِ، فَزَأَرَ زَئِيرًا مَدَوِيًّا، رَاجِيًا أَنْ يَصِلَ صَوْتُهُ إِلَى صَدِيقِهِ الدُّولْفِينِ، لِيُعِينَهُ فِي مُوَاجَهَةِ هَذِهِ الْعَاصِفَةِ.

فِي عُمْقِ الْمُحِيطِ، كَانَ الدُّولْفِينُ يَسْتَمْتِعُ بِنَسَمَاتِ الْبَحْرِ، حَتَّى سَمِعَ زَئِيرَ الْأَسَدِ الَّذِي عَكَّرَ صَفْوَ هُدُوئِهِ. قَلَقُهُ الشَّدِيدُ دَفَعَهُ نَحْوَ الشَّاطِئِ، لَكِنَّهُ وَجَدَ نَفْسَهُ فِي مَأْزَقٍ عَظِيمٍ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْطِنٌ خَارِجَ الْمَاءِ. فَسَبَحَ بِجَوَارِ الشَّاطِئِ، قَلْبُهُ يَتَأَلَّمُ عَجْزًا عَنْ مُسَاعَدَةِ صَدِيقِهِ.

وَفِي تِلْكَ الْأَثْنَاءِ، خَاضَ الْأَسَدُ الْمَعْرَكَةَ بِكُلِّ شَجَاعَةٍ وَإِقْدَامٍ، لَكِنَّ الضِّبَاعَ كَانَتْ تَتَزَايدُ كَالظِّلالِ. أَصَابَهُ التَّعَبُ، وَجَرَحَتْهُ أَنْيَابُ الْأَعْدَاءِ، تَرَكَتْهُ مَكْسُورَ الْجَنَاحِ، يُعَانِي مِنْ جُرُوحٍ وَكَدَماتٍ. بَيْنَمَا كَانَتِ الْغِيُومُ تَتَكَاثَفُ فَوْقَ رَأْسِهِ، عَرَجَ الْأَسَدُ مُتَجِهًا إِلَى مَلَاذِهِ، يَسْتَذْكِرُ قُوَّةَ صَدَاقَتِهِ، وَيُعَالِجُ آلامَهُ.

وَبَيْنَمَا اسْتَقَرَّ الْغُبَارُ فِي مَيْدَانِ الْمَعْرَكَةِ، أَدْرَكَ الْأَسَدُ دَرْسًا قَاسِيًا، مَفَادُهُ أَنَّ الصَّدَاقَاتِ، مَهْمَا كَانَتْ قَوِيَةً، لَا تَسْتَطِيعُ كَسْرَ قَوَانِينِ الطَّبِيعَةِ. فَالصَّدَاقَةُ تَحْتَاجُ إِلَى تَوَازُنٍ، وَإِلَى قُدْرَةٍ عَلَى مُوَاجَهَةِ تَحَدِّيَاتِ الْحَيَاةِ، وَإِلَى قُوَّةٍ تُضَاهِي تِلْكَ الَّتِي تَسُودُ بَيْنَ الْوُحُوشِ وَالْبِحَارِ.

وَهَكَذَا، عَادَتِ الْأَمْوَاجُ إِلَى هُدُوئِهَا، وَلَكِنَّ الذَّاكِرَةَ كَانَتْ تَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهَا دُرُوسًا عَنْ الشَّجَاعَةِ، وَالتَّضْحِيَةِ، وَعُمُقِ الصَّدَاقَةِ، الَّتِي تُعَدُّ أَثْمَنَ مِنْ كُنُوزِ الْعَالَمِ.