الصفحات

الجمعة، 27 سبتمبر 2024

• قصة وحكمة: بانشو فيلا: من بطل شعبي إلى كابوس للجيش الأمريكي

احتقر ما لا تستطيع أن تناله

بدأ المتمرد المكسيكي بانشو فيلا حياته كزعيم لعصابة من قُطَّاع الطرق، ولكن مع اندلاع الثورة المكسيكية عام 1910، تحوَّل إلى بطل شعبي يناضل ضد الظلم والاستبداد. استخدم فيلا تكتيكات حرب العصابات، فأصبح يسرق القطارات ويوزّع الأموال على الفقراء، ما جعله يُعرف بلقب "روبن هود المكسيكي". شُهرته كانت أيضاً ممزوجة بسحره الرومانسي، مما أكسبه اهتماماً إضافياً ليس فقط من الفقراء المكسيكيين، بل حتى من الأمريكيين الذين رأوا فيه صورة رجل من زمن قديم، يجمع بين ملامح "روبن هود" وجاذبية "دون جوان".

بعد سنوات من القتال العنيف، تمكّن الجنرال كارّانزا، أحد قادة الحكومة المكسيكية، من هزيمة قوات فيلا. عندها، لجأ فيلا مع ما تبقى من رجاله إلى ولاية شيواوا في شمال المكسيك. تراجع نفوذه وتفكك جيشه، وعاد مجدداً لممارسة قطع الطرق، مما أثّر سلباً على شعبيته. وفي ظل يأسه المتزايد من استعادة نفوذه، بدأ فيلا بشن هجمات على الولايات المتحدة، التي كان يُحَمِّلها مسؤولية هزيمته.

في مارس 1916، قام فيلا بمداهمة مدينة كولومبوس في ولاية نيو مكسيكو الأمريكية، حيث هاجم مع قواته المدينة وقتل 17 أمريكياً، من بينهم جنود ومدنيون. هذا الهجوم أثار غضب الولايات المتحدة وأحرج الرئيس الأمريكي آنذاك وودرو ويلسون. رغم أن ويلسون كان معجباً سابقاً بفيلا، إلا أنه وجد نفسه مضطراً للردّ على هذا العدوان لحماية هيبة بلاده. نصحه مستشاروه بأن أي دولة بحجم الولايات المتحدة لا يمكن أن تتجاهل هجوماً كهذا على أراضيها، وأنه إن لم يُظهِر حزمًا في التعامل مع فيلا، فسوف يعرِّض سمعته كقائد قوي للخطر، خاصة أن الكثيرين كانوا يعتبرونه رجلاً مسالماً أكثر من اللازم.

نتيجة لهذه الضغوط، وبعد أقل من شهر على الهجوم، حصل ويلسون على موافقة الحكومة المكسيكية وأرسل عشرة آلاف جندي إلى المكسيك في حملة عسكرية أُطلق عليها اسم "حملة التأديب"، وكان يقودها الجنرال الشجاع جون ج. بيرشنج، الذي كانت له خبرة طويلة في هزيمة العصابات المقاتلة في الفلبين ومواجهة السكان الأصليين في جنوب غرب الولايات المتحدة. اعتقد ويلسون أن بيرشنج سيتمكن بسهولة من تعقُّب فيلا والإيقاع به.

أصبحت حملة التأديب حديث الساعة في الولايات المتحدة، وتابعها الأمريكيون بشغف عبر تقارير الصحفيين الذين رافقوا الجيش. اعتبرها الكثيرون اختباراً لقدرات الجيش الأمريكي الحديث. كانت القوات الأمريكية مجهزة بأحدث الأسلحة، وتستخدم اللاسلكي للتواصل، بالإضافة إلى دعم من طائرات الاستطلاع.

خلال الأشهر الأولى، تم تقسيم الجيش إلى وحدات صغيرة لتُمشِّط الغابات والوديان في شمال المكسيك بحثًا عن فيلا. عرضت القوات الأمريكية مكافأة قدرها 50,000 دولار لمن يُدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض عليه. لكن على الرغم من عودة فيلا إلى أساليب قطع الطرق، فإن المكسيكيين المحليين الذين تأذوا منه سابقاً عادوا لمساندته، ورأوا في صموده أمام الجيش الأمريكي رمزاً لمقاومة التدخل الأجنبي. أخذ السكان يقدمون للأمريكيين معلومات مضللة عن أماكن وجود فيلا، مما جعل الطائرات تتجه لمواقع خاطئة، وكان الجيش يتحرك بلا جدوى. في تلك الأثناء، ظل فيلا دائماً متقدماً بخطوة على مطارديه.

مع حلول الصيف، ارتفع عدد القوات الأمريكية في المكسيك إلى 23,000 جندي، يكابدون صعوبات الطبيعة القاسية من حرارة شديدة وبعوض وأراضٍ وعرة، مما أثار سخط السكان المحليين وزاد التوتر بين البلدين. في إحدى المرات، كان فيلا مختبئاً في أحد الجبال للتعافي من جروح أصيب بها في اشتباك مع الجيش المكسيكي. من مخبئه، نظر إلى أسفل ورأى الجنرال بيرشنج يقود قواته المنهكة في بحث يائس عنه، يتحركون ذهاباً وإياباً دون أن يقتربوا منه أبداً.

استمر فيلا في هذه اللعبة المستفزة طوال الشتاء، ليتحول الأمر في نظر الأمريكيين إلى ما يشبه المهزلة. بدأ الرأي العام الأمريكي في العودة للإعجاب بفيلا، الذي تمكن من مراوغة جيش حديث ومتفوق لمدة طويلة. بحلول يناير 1917، أمر الرئيس ويلسون أخيرًا بسحب قوات بيرشنج من المكسيك. أثناء انسحابهم، تعرض الجنود الأمريكيون لهجمات من قِبَل عصابات فيلا، مما اضطر الطائرات الأمريكية للتدخل لحماية القوات المنسحبة.

انتهت حملة التأديب هذه بشكل غير متوقع، إذ تحولت من مهمة لإخضاع متمردٍ إلى هزيمة مهينة للجيش الأمريكي على يد مجموعة من المقاتلين غير النظاميين. وفي النهاية، خرجت القوات الأمريكية من المكسيك وهي تُطارَد من قِبَل المتمردين، لتتحول ما كان يُفترض أن تكون عملية تأديب إلى فشل ذريع، عزز من أسطورة بانشو فيلا كمقاتل لا يُقهر، وترك أثراً عميقاً في العلاقة بين البلدين.

المصدر: THE 48 LAWS OF POWER, ROBERT GREEN

 إقرأ أيضاً:

قصة للأطفال: السماء لا تمطر ألعاباً

قصة وحكمة: الكلب والثور

قصة للأطفال: ليلى والذئب

قصة للأطفال: القنفذ والحيوانات الصغيرة

قصة وحكمة: صياد السمك

للمزيد            

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً 

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق