نَصائِحُ الأُمَّهات
فِي سالِفِ العَصرِ وَالأَوانِ، كانَتْ هُناكَ فَتاةٌ تُدْعى لَيْلَى، قَدْ أَهْدَاهَا القَدَرُ بِجَدَّةٍ رَؤومٍ وَهَبَتْهَا رِدَاءً قَانِياً يَشِعُّ بِنُورِهِ كَمَا يَشِعُّ القَمَرُ فِي لَيْلَةٍ ظَلْمَاء. وَكانَ ذَاكَ الرِّدَاءُ رَفِيقَهَا الدَّائِمَ، حَتَّى غَدَتْ تُعْرَفُ بَيْنَ النَّاسِ بِذَاتِ الرِّدَاءِ الأَحْمَر.
وَفِي
يَومٍ مِنَ الأَيَّامِ، نَادَتْ عَلَيْهَا وَالِدَتُهَا الحَانِيَةُ، وَقَالَتْ:
"يَا لَيْلَى، احْمِلِي هَذَا الزَّادَ إِلَى جَدَّتِكِ الَّتِي تَقْطُنُ فِي
قَلْبِ الغَابَةِ، فَدُونَكِ طَرِيقٌ مُوحِشٌ، فَاحْذَرِي، وَإِيَّاكِ أَنْ
تُكَلِّمِي الغُرَبَاءَ."
وَإِذ
اسْتَوْدَعَتْهَا الأُمُّ وَصَايَاهَا، انْطَلَقَتْ لَيْلَى بِخُطُواتِهَا
الخَفِيفَةِ إِلَى الغَابَةِ، وَكَانَ الهَوَاءُ يَحْمِلُ عِطْرَ الزُّهُورِ
وَيَنْسَابُ بِرِفْقٍ عَبْرَ الأَشْجَارِ الكَثِيفَةِ. وَمَا لَبِثَتْ أَنْ
الْتَقَتْ فِي طَرِيقِهَا ذِئْبًا، ذِئْبًا يَفِيضُ مَكْراً وَخِدَاعاً، وَقَدْ
لَمَعَ الشَّرُّ فِي عَيْنَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ: "إِلَى أَيْنَ أَنْتِ
ذَاهِبَةٌ يَا ذَاتَ الرِّدَاءِ الأَحْمَر؟ أَلَا تَرْغَبِينَ فِي اللَّعِبِ مَعِي؟"
لَكِنَّ
لَيْلَى، وَقَدْ وَعَتْ نَصِيحَةَ أُمِّهَا، أَجَابَتْهُ بِحَذَرٍ: "لَا
أَسْتَطِيعُ اللَّعِبَ، فَأَنَا فِي عَجَلَةٍ مِنْ أَمْرِي، أَحْمِلُ طَعَامًا
لِجَدَّتِي المَرِيضَةِ، وَأَرْغَبُ أَنْ تَأْكُلَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْرُدَ."
فَاسْتَفْسَرَ
الذِّئْبُ الخَبِيثُ، وَهُوَ يُخْفِي نَوَايَاهُ السَّوْدَاءَ: "وَأَيْنَ
تَقْطُنُ جَدَّتُكِ؟" فَأَشَارَتْ لَهُ لَيْلَى إِلَى مَنْزِلِ الجَدَّةِ
القَابِعِ فِي عُمْقِ الغَابَةِ، ثُمَّ وَاصَلَتْ سَيْرَهَا دُونَ أَنْ تَشْعُرَ
بِمَا يُضْمِرُهُ الذِّئْبُ مِنْ غَدْرٍ.
وَلَكِنَّ
الذِّئْبَ، وَقَدْ أَغْرَاهُ الجَشَعُ، انْطَلَقَ كَالرِّيحِ عَبْرَ طَرِيقٍ
مُخْتَصَرٍ، حَتَّى بَلَغَ بَيْتَ الجَدَّةِ قَبْلَ لَيْلَى، وَطَرَقَ بَابَهَا
بِمَكْرٍ. وَلَمَّا فَتَحَتِ الجَدَّةُ، هَجَمَ عَلَيْهَا بِسُرْعَةٍ، وَحَبَسَهَا
فِي غُرْفَةٍ بَعِيدَةٍ. ثُمَّ ارْتَدَى مَلَابِسَهَا وَتَدَثَّرَ بِغِطَائِهَا،
وَاسْتَلْقَى فِي فِرَاشِهَا مُنْتَظِرًا قُدُومَ لَيْلَى.
وَمَا
إِنْ وَصَلَتْ لَيْلَى إِلَى البَيْتِ، حَتَّى طَرَقَتِ البَابَ بِرِفْقٍ،
وَجَاءَهَا صَوْتُ الذِّئْبِ مُمَوَّهًا بِنَبْرَةِ الجَدَّةِ: "ادْخُلِي،
يَا حَبِيبَةَ قَلْبِي، إِنَّنِي مَرِيضَةٌ، لَا أَقْوَى عَلَى القِيَامِ."
دَخَلَتْ لَيْلَى بِبَرَاءَةٍ وَسُرْعَةٍ، وَاقْتَرَبَتْ مِنَ السَّرِيرِ،
لَكِنَّهَا لَاحَظَتْ شَيْئًا غَرِيبًا فِي مَظْهَرِ جَدَّتِهَا.
سَأَلَتْهَا
بِحَذَرٍ: "يَا جَدَّتِي، لِمَاذَا أُذُنَاكِ كَبِيرَتَانِ هَكَذَا؟"
فَأَجَابَهَا الذِّئْبُ، وَهُوَ يُخْفِي شَهْوَتَهُ لِافْتِرَاسِهَا: "حَتَّى
أَتَمَكَّنَ مِنْ سَمَاعِكِ جَيِّدًا يَا عَزِيزَتِي."
ثُمَّ
تَسَاءَلَتْ لَيْلَى مُجَدَّدًا: "وَلِمَاذَا عَيْنَاكِ كَبِيرَتَانِ بِهَذَا
الشَّكْلِ؟" فَرَدَّ الذِّئْبُ، وَهُوَ يَزْدَادُ شَرَاسَةً: "حَتَّى
أَتَمَكَّنَ مِنْ رُؤْيَتِكِ بِوُضُوحٍ."
وَلَمْ
يَزَلِ الشَّكُّ يُسَاوِرُهَا، فَسَأَلَتْ مَرَّةً أُخْرَى: "وَلِمَاذَا
أَنْفُكِ كَبِيرٌ؟" فَأَجَابَهَا الذِّئْبُ: "لِأَتَمَكَّنَ مِنْ شَمِّ
عِطْرِكِ الجَمِيلِ."
وَأَخِيرًا،
تَسَاءَلَتْ بِارْتِجَافٍ: "وَلِمَاذَا فَمُكِ كَبِيرٌ جِدًّا؟"
فَقَفَزَ الذِّئْبُ مِنَ السَّرِيرِ صَارِخًا: "حَتَّى أَتَمَكَّنَ مِنْ
أَكْلِكِ يَا حَلْوَةُ!"
فَصَرَخَتْ
لَيْلَى بِأَعْلَى صَوْتِهَا مُسْتَغِيثَةً: "النَّجْدَةَ! النَّجْدَةَ!
هُنَاكَ ذِئْبٌ يُرِيدُ أَنْ يَفْتِرِسَنِي!"
وَمِنْ
حُسْنِ حَظِّهَا، كَانَ هُنَاكَ صَيَّادٌ شُجَاعٌ قَرِيبٌ مِنَ البَيْتِ، سَمِعَ
الصَّيْحَةَ وَهَرَعَ إِلَى النَّجْدَةِ. وَلَمَّا أَدْرَكَ الذِّئْبُ اقْتِرَابَ
الصَّيَّادِ، فَرَّ هَارِبًا كَالفَأْرِ المَذْعُورِ، لِيَنْجُوَ بِنَفْسِهِ مِنَ
السَّيْفِ المَسْلُولِ. وَهَكَذَا نَجَتْ لَيْلَى وَجَدَّتُهَا مِنْ بَرَاثِنِ
الذِّئْبِ الغَادِرِ.
وَمُنْذُ
ذَاكَ اليَوْمِ، تَعَلَّمَتْ لَيْلَى دَرْسًا لَنْ تَنْسَاهُ، وَهُوَ أَنْ لَا
تَتَحَدَّثَ إِلَى الغُرَبَاءِ أَبَدًا، كَمَا أَوْصَتْهَا أُمُّهَا مِرَارًا،
إِذْ فِي الحَدِيثِ مَعَ المَاكِرِينَ هَلَاكٌ، وَفِي طَاعَةِ الأُمَّهَاتِ
نَجَاةٌ وَحَيَاةٌ.
قصة وحكمة: أرنب بري من أجل الشبل
قصة وحكمة: الثعلب وهيبة ملك الغاب
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق