الحصار الذي دام تسعمائة يوم والذي خضعت له مدينة
(لينينغراد) الروسية خلال الحرب العالمية الثانية واحداً من أبشع الحصارات في
التاريخ الحديث، وكانت خطة (أدولف هتلر) من وراء تنفيذه هي غلق جميع منافذ المدينة
وقطع كل خطوط إمدادات الطعام إليها وترك الطبيعة تؤدي العمل بالنيابة عنه، حيث قال
الزعيم النازي في خطاب له في مدينة (ميونيخ) في الثامن من شهر نوفمبر سنة 1941: "يجب
أن تموت (لينينغراد) جوعا".
في الشتاء الذي تلى ذلك، مات مئات الآلاف من المواطنين
جوعاً، وحاول البعض دون جدوى البقاء على قيد الحياة من خلال أكل نشارة الخشب،
بينما تجمد آخرون حتى الموت في الشوارع عندما كانوا يحاولون التنقل مشياً لبضعة
كيلومترات ليصلوا لبعض أكشاك توزيع الطعام تحت درجة حرارة بلغت -30° تحت الصفر.
عندما
دخلت القوات الغازية الألمانية إلى المدينة ناهبة ومدمرة أي شيء ذي قيمة فيها، تحصّن
مجموعة من علماء النباتات داخل خزنة معهد (فافيلوف) للنباتات مع مجموعة ثمينة من
البذور والنباتات القابلة للأكل، وتضمنت هذه المجموعة بذور حوالي مائتي ألف نبتة
كان ربعها قابلاً للأكل، وكانت تعتبر واحدة من أكبر مستودعات التنوع الجيني
للمحاصيل الغذائية في العالم كله، وكان من بين هذه المحاصيل التي احتوت عليها
الخزنة الكثير من الأرز، والقمح، والذرة، والبقوليات، والبطاطا بكميات كافية لدعم
استمرار ونجاة علماء النباتات خلال مدة الحصار كلها.
غير
أن هؤلاء العلماء الشجعان لم يسجنوا أنفسهم داخل هذه الخزنة مع بذور الطعام من أجل
تفادي المجاعة وإنقاذ حياتهم، بل قاموا بذلك من أجل حماية هذه البذور من الألمان
الغزاة وكذا من الشعب الجائع الذي كان يجوب الشوارع بحثاً عن أي شيء ليأكله.
كانت
هذه المجموعة المتنوعة من النباتات والبذور كافية لملء ستة عشر غرفة، ولم يكن يسمح
لأي كان بأن يبقى داخل إحدى هذه الغرف وحيداً، وكان العاملون يحرسونها على مدار
الساعة بنظام التناوب على الرغم من الجوع الشديد والبرد القارص الذي كانوا يعانون
منه.
بمرور
أيام الحصار الطويلة، بدأ هؤلاء الرجال الأبطال يموتون جوعاً واحداً تلو الآخر، وفي
شهر يناير سنة 1942، توفي (أليكسندر تشوكين)، وهو عالم نبات خبير في الفول
السوداني، جوعاً على طاولة مكتبه، وتوفي كذلك عالم النبات (ديميتري إيفانونف)
جوعاً بينما كان محاطا ببضعة آلاف حزم من الأرز التي كان يحرسها.
بحلول
نهاية الحصار في ربيع سنة 1944، توفي جوعاً تسعة من العلماء داخل المعهد وهم
يحرسون كل ذلك الكمّ من الطعام، ويعود الفضل لهم في الكثير من المحاصيل التي نتغذى
عليها اليوم، لأن مصدرها كان الأنواع النباتية التي أنقذها هؤلاء العلماء الشجعان
وعمليات التهجين التي أجريت عليها.
مواضيع
تهم الطلاب والمربين والأهالي
قصص
للأطفال وحكايات معبّرة
للمزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق