كان "هيو غلاس" واحدًا من أعتى رجال الجبال
في أوائل القرن التاسع عشر في غرب أميركا، وكان أحد صائدي الفراء الذين يطاردون
القنادس من أجل الحصول على فرائها وبيعه لصانعي القبعات في أميركا وأوروبا، وكانت
تجارة "غلاس" تجارةً مربحةً للغاية ولكنها خطيرة جداً،
حيث كان ينبغي على الرجال الذين يمتهنونها أن يعيشوا حياتهم في الجبال بغرض مطاردة
واصطياد الحيوانات ذات الفراء في ذلك الزمن.
في عام 1832، كان "هيو
غلاس"
جزءاً من حملة تجارة الفرو التي كان يقودها الجنرال "ويليام
هنري أشلي"
عبر نهر "ميسوري" وفي مكان ما على طول ضفاف النهر في ولاية "داكوتا
الجنوبية" هاجم محاربو "الأريكارا" -إحدى قبائل الهنود الحمر-
الحملة، مما أجبر الرجال على الانقسام إلى مجموعتين منفصلتين، وقررت المجموعة التي
تضم "غلاس" السفر براً نحو نهر "يلوستون".
كان
"غلاس" يستكشف المنطقة -قرب تشعب النهر الكبير، أي بقرب بلدة "ليمون"
في وقتنا الحالي- لمجموعته متقدماً عنهم بمفرده، عندما فاجأ وجودُه أنثى دب
وصغيريها، وقبل أن يتمكن "غلاس" من إطلاق النار من بندقيته قفزت أنثى
الدب فوقه ونهشته، سارع أصدقاؤه في المجموعة لإطلاق الرصاص على أنثى الدب عندما
سمعوا عويله، ولكن "غلاس" تمكن من قتلها لوحده باستخدام سكين فقط.
جُرِح
ظهر "هيو
غلاس"
وفروة رأسه، وخُرقت حنجرته، وكُسرت ساقه جراء هجوم الدبّة الثقيل وأنيابها الحادة،
اعتقد جميع أصدقائه أنه لن يعيش ليرى صباح اليوم التالي، ولكن عندما أتى هذا اليوم
سحب الرجال كلامهم وصنعوا نقالة حملوه عليها ومشوا به على مدى يومين بغية الوصول
لنهر "يلوستون".
كانت
المجموعة على عجلة من أمرها بغرض الوصول لـ"يلوستون"، والأمر الذي كان
يخيف أفرادها هو تجوّل عصابات معادية من الهنود، أما الأمر الذي أثقل كاهلهم كان
حملهم لـ"غلاس" لأنه كان يُبطء من حركتهم ويدفعهم لأخذ فترات اسراحة،
لذلك قرر قادة المجموعة إبقاء رجلين مع "غلاس" حتى يحين موعد وفاته ومن
ثم إقامة مراسم دفن مناسبة له ولشجاعته.
تطوع
الحطّاب "جون فيتزجيرالد" والشاب الصغير "جيم بريدجر" -الذي
كانت هذه الرحلة هي أول رحلة صيد يقوم بها في حياته- للقيام بهذه المهمة والبقاء
مع "غلاس" حتى يموت.
تكفّل
الرجلان برعاية "غلاس" على مدى ثلاثة أيام، خلالها كانت حركات "غلاس"
المرئية هي فقط حركة عينيه وحركاته التنفسية، ومع مرور كل يوم كان أصدقاؤهم في
المجموعة يبتعدون عنهم أكثر فأكثر، وأخيراً أقنع "فيتزجيرالد" رفيقه "بريدجر"
بالتخلي عن "غلاس" بحجة أن حياتهما في خطر في ظل انتشار الهنود في
المنطقة، وقاما بوضعه في قبر سطحي طيني وأخذا بندقيته وسكينه وبقية الأغراض الخاصة
به، وانطلقا محاولين اللحاق بركب المجموعة، وفعلاً تمكنا من ذلك لاحقاً وكذبا بأن
صرحا بأن المنية قد وافت "غلاس"، ولهذا أخذا أسلحته وأدواته لأن (الرجل
الميت لا يحتاج لأسلحة) على حد تعبيرهما.
استعاد
"غلاس" قوته على الرغم من إصابته بجروح خطيرة، وبدأ بالزحف والمشي
باتجاه أقرب مستوطنة أمريكية في "فورت كيوا" (Fort
Kiowa) ، أو حصن "كيوا"، على نهر "ميسوري"،
فباستطاعة هذا المكان أن يؤمن له الحماية من هجوم الهنود المنتشرين في جميع
الأرجاء، مدفوعاً فقط بإرادة البقاء على قيد الحياة، ومشتعلاً برغبة الانتقام من
الرجلين الذين تخليا عنه وتركاه ليلقى
حتفه.
اقتات
"غلاس" على التوت البري وجذور النباتات والحشرات والثعابين وأي شيء وقعت
عليه عيناه، وفي إحدى المناسبات تمكن من إبعاد ذئبين عن عجل أمريكي، واقتات على
لحمه النيء، وسمح للديدان أن تلتهم لحم جرحه الميت وذلك لمنع إصابته بـ(الغنغرينا)،
وترك أحد الدببة الرمادية يقوم بلعق جراحه المليئة ببيوض الحشرات مما حماه من
الإصابة بالعدوى ومنع عنه الموت، ظل يعاني إلى أن ساعده بعض السكان الأمريكيين
الأصليين الودودين وقاموا بخياطة جراحه وتغطيتها بجلد دب ميت، كما زودوه أيضاً
بالطعام والأسلحة.
بعد
ستة أسابيع من المعاناة، تمكن "غلاس" من قطع مسافة تفوق 130 كلم والوصول إلى حصن "كيوا" حيث بقي يتعافى من جراحه لعدة أسابيع،
وحينما شفي بشكل كامل شد الرحال مرة ثانية واضعاً نصب عينيه العثور على غريميه: "فيتزجيرالد" و"بردجير"، والتقى بهما في نهاية المطاف، ولكن لم تجر
معركة دموية بين "غلاس" والرجلين، بل عفا "غلاس" عنهما
وسامحهما مُظهراً أخلاقاً كريمةً ليس لها مثيل.
عاد
"غلاس" لمزاولة مهنته القديمة في الصيد وتجارة
الفراء، لكنه مات ميتةً عنيفةً على يد قبائل "الأريكارا" في نهر "يلوستون" بعد عشر سنوات من هذه الحادثة عن عمر ناهز
الخمسين عاماً.
هذا مقطع فيديو للصراع الرهيب مع الدبة من فيلم The Revenant
مواضيع تهم
الطلاب والمربين والأهالي
قصص للأطفال
وحكايات معبّرة
إقرأ أيضاً
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق