أراد أحد الأمراء أن يتحقق بنفسه من صحة ما قيل له عن وجود قاضٍ
عادلٍ في إمارته لا يستطيع أحد من المحتالين خداعه، فتنكر الأمير في زى تاجرٍ
وامتطى جواده، وعند مدخل المدينة اقترب منه رجل كسيح يلتمس صدقةً، فأعطاه، فإذا
الكسيح يتشبث بردائه، التفت التاجر إلى الكسيح وسأله: ما الذي تريده بعد؟ ألم أعطك
صدقةً!
قال الكسيح: بلى، ولكن اعمل معي معروفاً وخذنى إلى ساحة المدينة.
فأجابه
إلى طلبه وأردفه خلفه، وفي الساحة رفض الكسيح النزول عن ظهر الجواد، فنهره
التاجر قائلاً: ما الذي يجلسك؟ هيا انزل، لقد وصلنا.
قال الكسيح: ولِمَ النزول والجواد ملكي!
وعندما احتد بينهما النقاش تجمع الناس حولهما واقترحوا عليهما
الذهاب إلى القاضي، مضى الإثنان إلى القاضي، وكان الناس مجتمعين في المحكمة،
والحاجب ينادي على المتخاصمين حسب الدور، فاستدعى القاضي نجاراً وسمّاناً كانا
يتنازعان نقوداً بيد النجار.
قال النجار: اشتريت من هذا سمناً، وعندما أخرجت محفظتي لأنقده
الثمن، اختطفها من يدى محاولاً انتزاع النقود، وهكذا جئنا اليك يده على يدي ومحفظتي
ولكن النقود نقودي.
أما السمّان فقال: هذا كذب، جاء النجار إليّ ليشتري سمناً، وبعد
أن ملأتُ له إبريقاً كاملاً طلب منى أن أفكّ له قطعة ذهبية، فأخرجتُ المحفظة
ووضعتها على الطاولة، فأخذها وأراد الهرب، فأمسكت به من يده وجئت به إلى هنا...
صمت القاضي ثم قال: أتركا النقود هنا واحضرا غداً... وعندما حان
دور التاجر والكسيح قصّ التاجر ما حدث ثم أشار القاضي للكسيح أن يأتي بحجته.
قال الكسيح: هذا كذب كله، كنتُ ممتطياً جوادي في ساحة المدينة، أما
هو فقد كان جالساً على الأرض، فطلب منى أن أحمله، فسمحت له بركوب الجواد ونقلته إلى
المكان الذي يرغب، ولكنه لم يرد النزول، وادّعى ملكيته للجواد.
فكر القاضي ثم قال: اتركا الجواد عندى واحضرا غداً... وفي اليوم
التالى اجتمع المتخاصمون للاستماع إلى حكم القاضي، فتقدم النجار والسمان أولا
لمعرفة الحكم.
قال القاضي للنجار: النقود ملكك، ثم أشار إلى السمان قائلاً: أما
هذا فاضربوه بالعصا خمسين مرة، ثم استدعى الحاجبُ التاجرَ والكسيحَ، فوقفا بين يدى
القاضي لسماع الحكم، فسأل القاضي التاجرَ: هل تستطيع معرفة جوادك من بين عشرين
جواداً؟
قال التاجر: نعم، فسأل القاضي الكسيحَ: وانت؟ فقال الكسيح: نعم،
ثم اخذهما القاضي إلى الإسطبل، فأشار التاجر في الحال إلى جواده، وقد ميزه من بين عشرين جواداً، وكذلك تعرّف الكسيحُ على الجواد، عاد القاضي إلى مكانه وقال للتاجر: الجواد جوادك فخذه، أما الكسيح فاضربوه بالعصا خمسين مرة.
ثم اخذهما القاضي إلى الإسطبل، فأشار التاجر في الحال إلى جواده، وقد ميزه من بين عشرين جواداً، وكذلك تعرّف الكسيحُ على الجواد، عاد القاضي إلى مكانه وقال للتاجر: الجواد جوادك فخذه، أما الكسيح فاضربوه بالعصا خمسين مرة.
بعد انتهاء المحاكمة ذهب القاضي إلى بيته، فسار التاجر خلفه،
فالتفت القاضي اليه وسأله: ما الذي تريده؟ أم أنك غير راضٍ عن قراري؟
أجاب التاجر: بلى، ولكني أردت أن أعلم كيف عرفت أن النقود ملك
النجار وليست للسمان، وأن الجواد لي وليس للكسيح؟
قال القاضي: أما أمر النجار والسمان فقد وضعت النقود في قدح ماء
ثم نظرت اليوم صباحا إلى القدح لأرى ما إذا كان السمن طافياً على سطح الماء، فلو
كانت النقود عائدة للسمان لكانت ملوثة بيديه الدسمتين، وطفا السمن في القدح، وأما
معرفة مالك الجواد فكانت أصعب، فالكسيح أشار مثلك في الحال إلى الجواد من بين
عشرين جواداً، ولكننى لم أقودكما إلى الإسطبل لأرى ما إذا كنتما ستتعرفان على
الجواد، بل لأرى أيكما سيتعرف عليه الجواد، عندما اقتربت أنت منه التفت برأسه ومَدَّه
إليك، وعندما اقترب الكسيح إليه، رفع أذنيه وقائمته مستنكراً، وهكذا عرفت أنك
صاحب الجواد.
فقال التاجر: أنا لست تاجراً، بل أنا أمير البلاد، جئت إلى
هنا لأعرف حقيقة ما يقال عنك، وها أنا أرى الآن أنك قاضٍ حكيمٍ، فاطلب مني ماشئت
لاكافئك به، قال القاضي: شكرا لك أيها الأمير، فأنا لا أحتاج مكافأة على أداء عملي
بصدق واخلاص.
تابعونا على الفيس بوك
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
قصص للأطفال وحكايات معبّرة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق