كانت
زجاجة العطور مقدسة لا تستخدم إلا في الأغراض الدينية فقط، ثم اكتشفتها النساء
واكتشفن بها وسيلة جديدة لإدخال البهجة في النفوس وتخلت الزجاجة عن قدسيتها،
ولكنها أصبحت عنصرا هاما من عناصر الحياة.
في البدء
كان الشرق. هكذا كانت القصة مع العطور، كما هي مع أشياء أخرى كثيرة، كان الفراعنة
أول من استخدموا العطر، ولكن في حدود معينة هي: الطقوس الدينية، وتحنيط الموتى،
وتزيين الملكات والأميرات. بعدها عرف اليونانيون زجاجة العطر، لكنها كانت أيضا
للأغراض الدينية، وعندما سمح بتداولها جرى تنظيم التداول لتكون للنساء والحلاقين
فقط واستخدمت الإمبراطورية الرومانية العطور على نطاق واسع، لكن مصدرها كان شرقيا
أيضا، كانوا يعطرون الكلاب والقرود ليدخلوا البهجة على من يقتنيها، وكانت أسراب
الحمائم تنطلق في الحفلات - بعد أن يغمسوا أجنحتها في العطر- ليتساقط منها رذاذ
طيب على رؤوس المدعوين، وعندما ماتت زوجة نيرون استهلك - كما تشير بعض المصادر -
عطورا من الجزيرة العربية جرى إنتاجها في عشر سنوات.
أما في
فرنسا فقد استخدم رجال البلاط الملكي العطر بدلا من الصابون، وكان لويس الخامس عشر
يلزم رجال بلاطه باستعمال عطر مختلف، كل يوم، كما كان نابليون - في بعض الروايات -
يستهلك نصف جالون من الكولونيا يوميا.
السم في زجاجة
تطورت
الصناعة، ازدهرت، انتقلت من الشرق إلى الغرب، تنافست المصانع وبيوت الموضة على
ابتكار أسماء وتوليفات لزجاجات العطر، وحمل البعض منها أسماء غريبة مثل
"السم" وهو من أشهر الماركات الفرنسية.
وقد
اختلفت أسعار العطور بين بضعة دولارات أو فرنكات، ومئات الدولارات للزجاجة
الواحدة، ويرجع السبب للمواد الخام التي يصل عددها أحيانا إلى مائة مادة، بعضها
نباتي، وبعضها من الزيوت الصناعية، بعد أن ارتفعت تكلفة استخلاص العطور من الزهور الطبيعية
والتي يلزم منها الكثير لصناعة أوقية واحدة.
وقد
اشتهرت بعض أنواع الزهور والأشجار بأنها صالحة لإنتاج العطر، منها مثلا: أوراق
الورد والقرنفل، الزئبق، أزهار وأوراق اللافندر والبنفسج، بل وفي جذور نبات الأيرس
وخشب الأرز وثمار أشجار الموالح.
حيوانات ذات رائحة
الحيوانات
أيضا كان لها فضل في استخلاص بعض العطور، فالمسك يأتي من غدد حيوان اسمه
"غزال المسك" ويعيش في جبال أطلس والهيملايا، ولا يصلح منه للعطور غير
الذكور.
العنبر
أيضا، يخرج من أمعاء حوت العنبر، ويطفو على الماء تلقائيا في الخليج العربي وأماكن
ساحلية من استراليا.
حتى
المواد ذات الرائحة الكريهة مثل "الزباد" الذي يستخرج من القط له فائدة
في صناعة العطور حيث يجرى خلطه ويؤدي وظيفة هامة.
الآن،
أصبحت صناعة العطور معقدة، واستطلاع الكيماويون أن يستبدلوا ببعض أنواعها النادرة
مواد كيماوية، ولكن بقيت عاصمة العطور باريس محافظة على تفوقها، رغم أن خبراء
الصناعة يقولون: إن الأهم هو مدينة صغيرة تدعى جراسب مقاطعة في جنوب فرنسا، وهناك
يغطي الياسمين واللافندر والريحان والورد مساحات شاسعة تزود المصانع بحاجتها، لتنقل
الزيوت بعد ذلك إلى باريس، حيث الإنتاج النهائي والتوليف وإطلاق الأسماء الغريبة.
سهير
يوسف عز الدين
تابعونا على الفيس بوك
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
قصص للأطفال وحكايات معبّرة
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق