شُفي الذئب من مرضه، ووقف
أمام جحره.. كان وقت الغروب، والشفق الأحمر يلوّن الأفق.. تلّفت من حوله، ولسان
حاله يهتف في لهفة ولوعة: "كم أشتاق للغدر!.. لقد منعني المرض اللعين أيامًا
عديدة.. أكاد أُجَنّ!.. إلى أين أذهب؟، وبمن أغدر؟!"..
علته الدهشة، لما سمع صوت
صياح وبكاء فقال: "رائع!. لكم يطربني الصياح!، والصراخ يدغدغ مشاعري.. ولكن
من أين يأتي"؟!
ألقى بسمعه ناحية الصوت،
واقترب: "إنه يأتي من بيت الغزال.. فـُرجت!.. تـُرى ما الخطب؟!.. سأعرف حالاً"..
وما لبث أن هرول، واعتلى
بيت الغزال.. فتش من حوله، فعثر على فتحة في السقف.. أطلّ منها على الغزالة الأم
وصغارها الأربعة، وقد بدا عليهم الخوف والذعر.. وراح ينصت للحوار، حيث قال أحد
الصغار: يا ويلنا.. خطف الأسد غزالاً، وغدًا يخطف آخر.. ماذا نفعل يا أمي؟!
لا تخف يا صغيري.. غدًا أُسَلِّمُ
له نفسي..
لا يا أمي.. بل أنا..
لا لا.. بل أنا..
قال الذئب: عجبًا!،
كلٌ يُضحي بنفسه من أجل الآخرين!
اعترض الغزال الصغير،
قائلا بذكاء: هكذا سيأكلنا جميعًا..
فعلاً.. وماذا ترى؟
لن نستسلم.. ودعوني أفكر
في خطة تنقذنا من الهلاك..
وشرد الغزال الصغير يفكر،
وإخوته ينظرون إليه، وأعينهم تتألق بالأمل والرغبة في الحياة.. ويستحثه الذئب
قائلاً في نفسه:
"هيا أيها الصغير
الذكي!"..
وفجأة، يهتف الغزال
الصغير:
وجدتها!.. اسمعوني جيدًا..
تعرفون أن الأسد يصحو متأخرًا..
وتعلق الأم: بالطبع، لأنه
ينام متأخرًا..
ويضيف غزال: ويأتي إلينا
بعد الظهر لكي يفطر بأحدنا..
إذاً.. المسألة محلولة..
علينا أن نختبئ حتى العصر، وحين يأتي لن يجد أحدًا، ويومًا بعد يوم، سيعتقد بأننا
هربنا من الغابة، فيبحث عن غيرنا.. ما رأيكم؟..
ويهتف الجميع في إعجاب
وقد تهللت أساريرهم: فكرة رائعة!.. وأين نختبئ؟..
في حشائش السفانـّا
الطويلة..
لم يضيع الذئب الوقت،
وسرعان ما وثب من فوق السطح، وأطلق ساقيه للريح، إلى حيث عرين الأسد: فلأبلغ الأسد،
والبقية تأتي.. يا لسعادتي!.. هئ هئ هئ!..
احتفى الأسد بالذئب، وقام
الغزال المختطف بواجب الضيافة، وانتهز الذئب فرصة دخول الغزال وانشغاله، وأنبأه
بحوار الغزال، وخطة الغزال الصغير، فقال الأسد: لو صحّ قولك سأعتبرك صديقي..
فقط يا مولاي؟..
أعز أصدقائي..
فقط يا مولاي..
ها ها ها!.. سأعينك وزيرًا..
فقط يا مولاي؟..
أيها.. الطماع ماذا تريد
أكثر من ذلك؟!
إنني أطمع في كرمك يا
مولاي.. ألا أستحق أن أكون نائبك؟..
وعندئذ زمجر الأسد، بينما
انقلبت سحنته:
ماذا؟!.. هرررررررر!
فزع الذئب، وكاد أن يُغشى
عليه، ليستدرك: ولأبنائك بعد العمر الطويل المديد..
ها ها ها.. موافقون.. على
أن تظل على وفائك، وإلا..
أعرف الباقي يا مولاي..
وانحنى الذئب على الأسد
هامسًا: ألم تأكل الغزال بعد يا مولاي؟
سأتركه حتى يكبر ويسمن ثم..
هَمْ هَمْ هَمْ هَمْ.. ها ها ها!.. ها ها ها!
موعدنا صباح الغد يا
مولاى..
وهو كذلك عزيزي النائب..
ها ها ها!..
وما أن يُصبح الذئب خارج
العرين، ليتقافز في فرحة: اليوم نائب وغدًا ملك الغابة.. لم لا؟.. هئ هئ هئ!.. هئ
هئ هئ!..
وفي الصباح المبكر، ينطلق
الغزال، إلى حيث منطقة السفانا المتطرفة، وتطلب الأم من صغارها أن يلتزموا الهدوء،
ولا يأتون بأي صوت، أو حركة.. وفي الوقت نفسه، كان الذئب يتقدم الأسد، إلى حيث
يختبئ الغزال، ومن فوق التل، أشار الذئب ناحيتهم: هاهم يا مولاي مختبئون في حشائش
السفانا كما أخبرتك..
شكرًا نائبي الوفي.. كنت
سأخطف الأم لأنها سمينة، ولكني سأخطف الصغير صاحب الفكرة..
وما يلبث أن يقفز
الأسد ناحية الغزال الصغير: زئيـ ى ى ى ى ر ر ر ر ر!..
ولكن يبتعد الغزال
في الوقت المناسب، ليسقط الأسد في الشوك، وما يلبث أن يُطلق صرخة دوّت في المكان..
تعجب الذئب، وسرعان ما انطلق نحو الأسد.. اقترب منه متسائلاً في استغراب: ماذا
أصابك يا مولاي؟!
لقد أفلت الغزال الصغير
من بين مخالبي فوقعت على الشوك، فانغرس في يديّ ورجليّ.. آه.. آه!..
الدم ينزف من الجروح يا
مولاي!
وماذا تنتظر؟!.. هيا أوقف
النزيف.. تحرك.. لماذا تسمرت هكذا؟!
عندئذ يحدث الذئب نفسه: الجروح
عميقة، وسينزف الدم حتى يموت.. إنها فرصتي.. أتظل الأسود تحكم إلى الأبد؟.. لم لا
تحكم الذئاب؟.. سيموت الأسد، وأصبح ملك الغابة..
ويبتعد الذئب، ليهتف
الأسد في ذهول: إلى أين أيها النائب؟!
نلتقي في الآخرة يا عزيزي..
هئ هئ هئ!..
أيها الغادر المخادع..
الويل لك.. آه.. آه!..
وتفاجئ الأم صغارها
قائلة: يجب أن ننقذ الأسد!..
ماذا تقولين يا أمي؟!..
إنه..
ولا كلمة.. إنه في محنة
ويجب مساعدته..
وبالفعل تتقدم الأم وتنقذ
الأسد، الذي قال معبّرا: لقد فعلت خيرًا أيتها الغزالة الطيبة.. ولذا، لك عندي
مفاجأة لا تحلمين بها..
وتصاحب الأم الأسد،
ويتحاور الصغار: أُمّنا تسير بجانب الأسد غير خائفة.. لا بد أنه سيكافئها..
لا، بل سيغدر بها..
ويتدخل الغزال الصغير
قائلاً:
الأسود لا تعرف الغدر..
وقدّم الأسد للأم أغلى
وأعظم مكافأة، أعطاها ابنها الصغير: صغيري!.. لا أصدق عيني!..
من الآن، أنت وصغارك في
أمان..
ثم يرفع صوته: رئيس
الحرس.. عليك بالقبض على الذئب الغدار..
سمعاً وطاعة يا مولاي..
كان الذئب وراء
القضبان، حين قال: مرة تخيب، ومرة تصيب..
ويردّ عليه "بوبي"..
رئيس الحرس: أضغاث أحلام.. هاو هاو هاو!
حمدي
عمارة
تابعونا على الفيس بوك
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
قصص للأطفال وحكايات معبّرة
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق