عثر رجال الشُّرطة على جثّة امرأة في جبل المقطّم
فظنّوها قتيلة أو منتحرة، حتَّى حضر الطّبيب ففحص أمرها، وقرَّر أنَّها ماتت جوعًا .
تلك أول مرَّة سمعت بمثل هذه الميتة الشَّنعاء في
مصر، وهذا أوّل يوم سجّلت فيه يد الدَّهر في جريدة مصائبنا ورزايانا هذا الشقاء الجديد.
لم
تَمٌتْ هذه المرأة المسكينة في مغارة منقطعة، أو في بيداء مجهولة، فتفزع في أمرها
إلى قضاء الله وحده، بل ماتت بين سمع النَّاس وبصرهم، وفي ملتقى غاديهم برائحهم،
ولا بدَّ أنّها مرَّت قبل موتها بكثير من المنازل تطرقها فلم تسمع مُجيبًا، ووقفت
في طريق كثير من النَّاس تسألهم المعونة على أمرها فلم تجد من يمدُّ إليها يده
بلقمة واحدة تسدُّ بها جوعتها. فما أقسى قلب الإنسان! و ما أبعد الرَّحمة عن
فؤاده! وما أقدره على الوقوف موقف الثَّبات والصَّبر أمام مشاهد البؤس و مواقف
الشَّقاء!
لِمَ
ذهبتْ هذه البائسة المسكينة إلى الجبل في ساعتها الأخيرة؟ لعلّها ظنَّت أنَّ
الصَّخرة ألين قلبًا من الانسان! فذهبت إليه (تبثُّه شكواها)، أو أنَّ الوحوش أقرب
منه رحمة، فجاءته تستمنحه فضلة طعام. وأحسب لو أنَّ الصَّخر فهم شكواها لأشكاها،
ولو أنَّ الوحش ألمَّ بسريرة نفسها (لرثى لها وحنّ عليها)، لأنِّي لا أعرف مخلوقًا
على وجه الأرض (يستطيع أن يملك) نفسه، ودموعه، أمام مشهد الجوع وعذابه، غير
الإنسان .
ألمْ
يلتقِ بها أحد في طريقها فيرى صُفرة وجهها، وترقرق مدامعها، وذبول جسمها، فيعلم
أنَّها جائعة فيرحمها؟
ألم
يكن لها جار يسمع أنينها في جوف الليل، ويرى غدوّها ورواحها، حائرة ملتاعة في طلب
القوت فيكفيها أمره؟
أقفرت
البلاد من الخبز والقوت، فلا يوجد بين أفراد الأمَّة جميعها من أصحاب قصورها، إلى
سكَّان أكواخها، رجل واحد يملك رغيفًا زائدًا عن حاجته، فيتصدَّق به عليها ...
مصطفى
لطفي المنفلوطي
تابعونا على الفيس بوك
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
قصص للأطفال وحكايات معبّرة
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق