قصة وحكاية: • قصة وحكمة: القردُ والوتدُ

الفضولُ الأحمقُ عاقبتُهُ الندمُ

في غابةٍ كثيفةِ الأشجارِ، متشابكةِ الأغصانِ، يعيشُ سربٌ من القردةِ لا يقرُّ له قرارٌ، ولا تهدأُ له جارحةٌ. دأبُهم العبثُ، وشيمتُهم التطفلُ، يقتاتون على الفضولِ، ويتلذذون بما يجهلون.

وفي ذاتِ يومٍ، بينما كانتِ القِرَدةُ تتقافزُ بين الأغصانِ، وتتلاعبُ بما تجدهُ في رحابِ الغابةِ، وقع نظرُهم على جذعٍ خشبيٍّ قد شُقَّ نصفين، وقد غُرِزَ في وسطهِ وتدٌ غليظٌ، جعلهُ الحطّابُ فيهِ ليُعينهُ على فلقهِ، ثم انصرف إلى شأنٍ من شؤونِهِ، تاركًا العودَ في موضعِهِ.

اقتربتِ القردةُ من ذلكَ الجذعِ، تتفحّصُهُ بعيونٍ لامعةٍ، وقلوبٍ وَجِلَةٍ، وألسِنةٍ ثرثارةٍ تتجادلُ فيما بينها: ما هذا الوتدُ؟ ولِمَ زُرِعَ في هذا الجذعِ؟ أهو طعامٌ مخبوءٌ؟ أم كنزٌ مكنونٌ؟

وكان بين القِرَدةِ كبيرُهم، وهو أشدُّهم غرورًا، وأفرطُهم فضولًا، فقال: "يا قومُ، إنّا لن ندعَ هذا السرَّ في طيِّ الكتمانِ! فلنقتلعنَّ هذا الوتدَ ونرَ ما تحتهُ مستترٌ!" وأخذ يحثُّهم على المعاونةِ، غير أنّ الوتدَ استعصى على أيديهم، فلم يزحزحوهُ قيدَ أنملةٍ.

وهنا خطرت في نفسِ القردِ الأكبرِ حيلةٌ ماكرةٌ، فدسَّ ذيلَهُ في الشقِّ الضيّقِ بين نصفي الجذعِ، ثم صاح: "هلمّوا يا بني عشيرتي، فلنتّحدْ في الجهدِ، ولنستخرجِ الوتدَ معًا، فإنّ القوةَ في الاجتماعِ، والعجزَ في التفرّقِ!"

استجابتِ القردةُ، وانهمكَ الجميعُ في شدِّ الوتدِ بأيدٍ متهالكةٍ، وعزائمَ متعجّلةٍ، وما هي إلا لحظةٌ حتى انخلعَ الوتدُ دفعةً واحدةً، فانطبقَ الجذعُ على ذيلِ القردِ الأكبرِ انطباقَ الفخِّ على الطريدةِ!

فصاحَ صرخةً مزّقتْ سكونَ الغابةِ، وجعلتِ القِرَدةَ تتلفّتُ في ذعرٍ واضطرابٍ، فما كان منهم إلا أن أطلقوا سيقانَهم للريحِ، وتركوا زعيمَهم ينوحُ ويتخبّطُ، لا يجدُ من يخلّصُهُ، ولا من يواسيهِ.

وهكذا، لم يكن للفضولِ الطائشِ إلا خاتمةُ الفجيعةِ، ولا للحماقةِ المتعجرفةِ إلا عاقبةُ الندامةِ. وأدركتِ القِرَدةُ - بعد فواتِ الأوانِ - أن التَّطَفُّلَ على ما لا عِلمَ لهم بهِ، أشبهُ باللعبِ بالنارِ، لا يسلَمُ منهُ اللاعبُ، ولا ينجو منهُ الغافلُ.