الصفحات

الخميس، 9 مايو 2024

قصة وعبرة: الرسام والعصافير


عُزْلَة

سَئِمَ الرسامُ ذات يوم من أشياء كثيرة كان يحبها طوال عمره، فقد شَعَرَ بأن أصابعه لا تحَنِ ُّللفرشاة وعينيه لا تَحِنّان للألوان، وقلبه لم يعد يحب العالم كما كان من قبل، فألقى نظرةً من شرفته على الشارع وقَرَّرَ أن يعيش بعيداً وحيداً.

في البعيد الذي ذهب إليه الرَّسّام، لم تبخل الدنيا عليه بالجمال، فكان أمام البيت الذي يسكنه بحيرةٌ وحولها الحقول وفوقها سماء واسعة لا حدود لها. حتى البيت الذي سكنه كان بيتاً أبيض تدخله الشمس وتعلوه القباب، إلا أن المكان خلا من كل شيء حَيّ، فلم تكن هناك عصفورةٌ ولا وردةٌ ولا ولدٌ ولا بنت. خَلَعَ الرسام ساعةَ يده ووضعها على المنضدة وظن أنه ينعم بالهدوء!!

في الصباح... فَتَحَ الرّسّام الشرفة، تنفس بعمق وقال: أخيراً لن يُعَكِّرَ صَفْوَ حياتي أيُّ شيء. وسَحَبَ الكرسي وجلس في دفء الشمس، لكن الشمس اشتدت وكأنها غاضبة، فَتَعَجَّبَ الرسام ونقلَ الكرسي إلى الظل، حاول أن يسأل الشمس عمّا إذا كان هناك ما يغضبها، لكن الشمس لم تُجبه وتركته وغابت.

في الليل، أغلق الرسام شرفته وقال: سأنعم وحدي بسكون الليل دون أن يزعجني هاتف أو زيارة.

جَلَسَ وحيداً يَتَأَمَّلُ الجدرانَ البيضاء الخالية، ونَسِيَ أن ينظرَ إلى ساعته.

في الأيام الأولى، عاش الرسّامُ وكأنه راضٍ عن نفسه، وظنَّ أنه حين خَلَعَ الساعة ونسيها لن ينتبه للوقت، لكن الوقت كان يمر طويلاً طويلاً، فأَمسَكَ الساعة، حَدَّقَ فيها وسَأَلَ: لماذا تسيرين ببطء أيتها العقارب؟!

كل يومٍ كانت الشمس تَسْطَعُ وهو لا يرسم، وتنتصف في السماء وهو لا يُكَلِّمُ أحداً وتوشك على المغيب دون أن يَتَنَزَّهَ، ثم يأتي الليل الذي كان في أول الأمر له نجوم يأنسُ ببرقيها، ولكن بطبيعة الحال ليس لكل ليل نجوم، والرسام نَسِيَ النومَ أو النومُ نَسِيَهُ، ماذا يفعل به، قد يجد المكان، لكنه كان بلا حياة.

أخذَ الرسام يستكشف كل ركن في البيت، فوجد ألواناً جافة وفرشاة ذابلة، حَنَّتْ عيناه للألوان وأصابعه للفرشاة، فحمل كل ذلك برفق وبدأ يعيده للحياة.

في الصباح، فتح الشرفة، رَسَمَ على جدارها شجرة مورقة عالية وأخذ يصفر ويصفر، فحطت عليها العصافير، حكى لها حكايته واشتياق قلبه للعالم الذي يحبه، وسأل: هل مازال يحبّني؟!

أَمسَكَ الفرشاةَ وبدأَ يرسمُ على جدران البيت جداراً جداراً، ورُكناً رُكناً، حتى أصبح عنده شوارع وبيوت وناس وحيوانات كلٌ له حكاية، فأَنِسَ بهم ولكنه أحسَّ بافتقاد البشر، أَحَسَّت به العصافير، فطارت بعيداً وأخبرت مَن يحبّونه عن البيت الجميل ذي الرسوم البديعة، لبّوا جميعاً الدعوة، زاروا الرسام في مكانه البعيد، أحبّوا رسومه، لم يعاتبوه، بل فرحوا به، فأدركَ الرسام معنىً جديداً للحياة، ولم يعد مكانه بعيداً.

 إقرأ أيضاً:

قصة للأطفال: حيلة الأسد

قصة وعبرة: الوعل والنمر.. الجمال وحده لا يكفي

قصة مشاهير: جمال عبد الناصر حرامي

قصة للأطفال: حياة البراري

قصة للأطفال: يوميات طفل

للمزيد             

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية

المصدر: 1 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق