يمكن لأخطاء صغيرة لم تُأخذ في الحسبان أن تفسد حتى أكثر حيلك إتقاناً
كان تاليران مثالاً لِرَجُلِ الصَّفوةِ البارع خاصة أثناء فترة خدمته تحت إِمْرَةِ نابليون. في بدء تعارفهما قال نابليون لتاليران ذات مرة «يوماً ما سوف آتي إلى منزلك لنتناول الغداءَ معاً». كان المنزل يقع في "أوتويل" وهي إحدى ضواحي باريس.
أجابه
تاليران «بالترحيب والسرور سيدي الجنرال، كما أن منزلي مجاورٌ لمنتزه "بوا دي
بولوني"، وهكذا يُمكنك قضاءَ فترةِ العصر في ممارسة الرماية».
قالَ
نابليون «أنا لا أُحبُّ الرمايةَ، بل أُفَضِّلُ الصَّيدَ. هل توجد خنازير برية في
بوا دي بولوني؟». كان نابليون آتياً من كورسيکا، وهناك كان صيد الخنازير البرية من
رياضاتهم المُترفة. وبسؤاله عن خنازير برية في منتزهٍ باريسي بَيَّنَ نابليون عن
عقليةٍ ريفيةٍ خرقاء. لم يضحك تاليران لكنه أيضاً لم يقاوم رغبته في تدبير دَعابَةٍ
تمثيليةٍ ضد الرجل الذي أصبح وليّه السياسيّ، حتى وإن لم يكن من نُبلِ المنشأ الذي
لتاليران الذي كان سَليلَ أُسرةٍ مُترفة. أجاب ببساطة على سؤال نابليون «ليس هناك
إلا القليل لكن كلي ثقة أنك ستعرف كيف تجدها سيدي الجنرال».
اتَّفَقَ
الرجلان على أن يأتي نابليون إلى منزل تاليران في الساعة السابعة من صباح اليوم
التالي، وأن يقضي صباحَه هناك، على أن يذهب لِصَيدِ "الخنازير" في فترة
الأصيل. وأثناء الزيارة لم يتحدث نابليون عن أي شيء آخر غير الصَّيد، وفي السِّرِّ
كان تاليران قد أَرسَلَ خَدَمَهُ إلى السّوقِ لشراء خنزيرين أسودين وأَمرهم أن يُقَيِّدُوهما
في المَُنتزه.
بعد
الظهر تَوَجَّهتْ جماعةُ الصيد إلى بوا دي بولوني، وأَشارَ تاليران سِرّاً إلى خَدَمِهِ
ليطلقوا الخنزير الأول، فرآه نابليون وصَرَخَ فَرحاً «أرى خنزيراً» وانطلق بفرسه
للّحاق به بينما تباطأ تاليران، وبعد نصفِ ساعةٍ من الرَّكضِ تَمَّ اصطيادُ
الخنزير "البري". عَرَفَ أحدُ مساعدي نابليون أن هذا الخنزير ليس من
النوع البريّ أبداً، ورأى أَنَّ القصةَ لو انتشرت ستجعلُ من سيّدِهِ مَثارَ سُخريةٍ،
فأَسَرَّ له «سيدي أنت بالطبع تَعلَمُ أن هذا الخنزير داجنٌ وليس برياً».
استَشاطَ
نابليون غضباً وركضَ بالفرس مُتجهاً إلى منزل تاليران، وكان يَتَخَيَّلُ طوالَ
الطريق تَنَدُّرَ الناس من سذاجته، ورأى أن تفجيرَ غضبِهِ في وجه تاليران كان سيُظهره
أَبلهاً ويُعَرِّضُهُ للمزيد من السُّخرية، وأن من الأفضل له أن يَكتُمَ غضبَه
ويتظاهر بأنه يضحك من هذه الدعابة، لكن الحقيقة أنه كان يشعر باستياءٍ شديدٍ لم يُخْفِهِ
تماماً.
حاولَ
تاليران أن يُخَفِّفَ من شعور نابليون بالتجريح والإهانة، وقال له أن الوقت ما زال
مُبَكِّراً على الرجوع إلى باريس، وطلبَ أن يعودا معاً إلى المنتزه وأن يصطادا
الأرانب التي يعج بها المنتزه، وأخبره أن الملك لويس السادس عشر كان يستمتع كثيراً
باصطيادها، بل حتى عَرَضَ عليه أن يستخدم نفس البنادق التي كان يستخدمها لويس
نفسه. وأخيراً وبعد الكثير من المداهنة والتَّمَلُّقِ وافقَ نابليون على أن يعود
للصيد.
تَوَجَّهَ
الجَمْعُ مرةً أخرى إلى المنتزه. طوال الطريق كان نابليون يُكَرِّرُ «أَنا لستُ
مثل لويس السادس عشر، وبالتأكيد لن اصطادَ حتى أرنباً واحداً»، لكنه للغرابة وَجَدَ
المُنتزه يمتليء بالأرانبِ واصطاد ما يزيد عن الخمسين منهم، وتَغَيَّرَ مزاجُه من
التَّعَكُّرِ إلى البهجة والسرور، لكن في نهاية موجة إطلاق الرصاص اقترب منه نفس
المساعد وهَمَسَ له «أقولُ لك الحقيقة سيدي، هذه الأرانب ليست برِّيَّة ويبدو أن
الوغد تاليران يَتَنَدَّرُ بنا مرة أخرى». وكان المساعدُ على حق، فقد أرسلَ
تاليران خَدَمَهُ إلى السوق مرة أخرى واشتروا الأرانب وأطلقوها في بوادي بولوني.
امتطى
نابليون صهوةَ حصانِه وانطلقَ مُبتعداً، ولكن هذه المرة تَوَجَّهَ مباشرةً نحو
باريس، وفيما بعد هَدَّدَ تاليران أنه لو قال كلمةً واحدةً عمّا حدثَ وجَعَلَ منه
سُخريةً لِباريس لَجَعَلَهُ يدفعُ ثمناً يُحَوِّلُ حياتَه جحيماً.
تَطَلَّبَ
الأَمرُ شهوراً حتى يستعيد نابليون ثقته في تاليران، ولكنه لم ينسَ أَبداً أو يغفر
هذه الإهانة.
المصدر: THE 48 LAWS
OF POWER, ROBERT GREEN
إقرأ أيضاً:
قصة للأطفال: السماء لا تمطر خبزاً
قصة وحكمة: اظهِر لوليّك عملاً من إبداعك
قصة وحكمة: لا تُفرط أبداً في الطلب
قصة وحكمة: خفِّف من نبوغك مؤقتاً
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق