التظاهر بالبلاهة لاستدراج الضحايا
كان المُمَوّل الأمريكي أسبوري هاربندنج يزور لندن في شتاء عام 1872 حين جاءه تلغراف يُخبره: تَمَّ اكتشاف منجمٍ للماس في غرب أمريكا، وقد جاءه التلغراف من مصدرٍ موثوق هو ويليام والستون مدير بنك كاليفورنيا، إلا أن هاربندنج حسبها دعابةً تمثيلية أوحى بها اكتشاف مناجم الماس في جنوب إفريقيا.
الحقيقة
أنه حين اكتُشف الذهبُ في غرب الولايات المتحدة كان الجميع لا يصدقون في البداية،
وتَبَيَّنَ فيما بعد أن الخبر صحيح. لكن هذه المرة رأى أن الأمر غريب، منجم ماس في
الغرب!!. عَرَضَ هاربندنج التلغراف على مُمَوِّلٍ صديق له هو قُطْبُ المال روتشيلد
(وكان من بين أغنى أغنياء العالم) وقال له مُتعجباً «هي قطعاً دعابة» فَرَدَّ عليه
روتشيلد «لا تستنكر الأمر، فأمريكا بلدٌ شاسع، وقد فاجأت العالم من قبل بالكثير،
وربما ما زال في جُعبتها المزيد». حَجَزَ هاربندنج في أول سفينةٍ مُغادرةٍ وعاد
إلى أمريكا.
حين
وصل إلى سان فرانسيسكو وجد الأجواء محمومةً بالإثارة وتَذَكَّر بفترة البحث عن
الذهب في الأعوام 1540،
وعَرَفَ أنَّ مَن اكتشف المنجم اثنين من المنقبين هما فيليب أرنولد وجون سلاك،
وأنهما لم يُعلنا الموقع المحدد للمنجم في ويومنج وإنما استعانا قبلها بأسابيع
بخبير تنجيمٍ له اسمٌ ومكانةُ للمعاينة بعد أن أوصلاه إلى المنجم من طريق مُلْتَفٍّ
ليُضلّلاه عن الموقع. هناك رأى الخبيرُ العُمّالَ يستخرجون الماس، فأخذ إحدى هذه
الماسات وعرضها على الكثيرين من الصاغة في سان فرانسسکو وقَدَّرَ أحدُهم أن سعرها
يبلغ 1.5 مليون
دولار.
طلب
هاربندنج ورالستون من أرنولد وسلاك أن يذهبا معهما إلى نيويورك حتى يؤكد الصائغ
تشارلز تيفاني على تقدير السعر، فأجابها المُنَقِّبان أنهما قلقان ويستشعران أن في
الأمر مكيدة: كيف لهما أن يثقا بانتهازيين من المدينة؟ وماذا لو دَبَّرَ تيفاني
معهما لسرقة المنجم بكامله؟. نجح والستون في رفع هذه المخاوف بأن أعطى الرجلين 100,000
دولار ووضع 300,000
دولار أخرى أمانة باسمهما على أن يضاف إلى المبلغ 300,000
دولار أخرى إن تَمَّت الصفقة.
توجهت
المجموعة إلى نيويورك حيث كان يُقام اجتماعٌ في منزل سامويل ل. بارلو يحضره نخبة
الطبقة العليا في المدينة: الجنرال جورج بريتون ماكلالين قائد جيوش الاتحاد أثناء
الحرب الأهلية، والجنرال بنيامين بتلر، وهراس جريلي رئيس تحرير جريدة نيويورك تريبيون إضافة إلى
هاربندنج ورالستون وتيفاني، وحدهما أرنولد وسلاك هما الذين تَخَلّفا عن الاجتماع
لأنهما كانا يتجولان کسائحين لرؤية معالم المدينة.
حين
أَعلَنَ تيفاني أن المجوهرات حقيقية وأنها تُقَدَّرُ کثروةٍ لم يستطع الممولون
المجتمعون أن يكتموا فرحتهم، فأرسلوا لروتشيلد وغيره من أباطرة المال يخبرونهم عن
المنجم ويدعونهم للمشاركة في الاستثمار، وفي الوقت نفسه أخبروا المنقبين أنهم
يطلبون تأكيداً أخيراً: طلب الممولون أن يُكلِّفوا خبيراً بمعرفتهم يذهب مع أرنولد
وسلاك إلى المنجم حتى يتأكدوا من قيمة استثماراتهم. وافق الرجلان بعد تردُّدٍ وقالا
أن عليهما أولاً العودة إلى سان فرانسيسكو على أن تبقى الماسات التي فحصها تيفاني
كأمانة مع هاربندنج.
بعد
ذلك بأسابيع التقى لويس جانين أكبر خبير مناجم في زمنه بالمنقبين في سان
فرانسيسكو. كان جانين من النوع المَيّال للارتياب بطبيعته، وكان عازماً على التأكد
من أن المَنجم ليس خدعةً وأتى معه هاربندنج ومَمَوِّلون آخرون راغبون، ودار بهم
المُنَقِّبان في طرقٍ ملتوية ومعقدة كما فعلا من قبل وضللا المجموعة تماماً عن
موقع المنجم. حين وصلوا أخذ الممولون يراقبون في ذهول جانين وهو يحفر ويسوي التراب
المتجمع ويقلب الصخور ويكشف عن الياقوت والزمرد وأهم من ذلك الماس. استمرَّ الحفر
ثمانية أيام أطمئن بعدها جانين وأخبر الممولين أنهم الآن يملكون أخصب وأغنى
المناجم في التاريخ وقال «إن استخدمتم مائة رجل وأدوات مناسبة أضمن لكم أن
تستخرجوا ما قيمته مليون دولار كل ثلاثين يوماً.
بعدها
بأيام عاد هاربندنج ورالستون وشركاؤهما إلى سان فرانسيسكو وبسرعة أنشأوا شركة
للاستثمار الخاص برأسمال 10
ملايين دولار، ولكن كان عليهم أولا أن ينتهوا من أرنولد وسلاك، وكان ذلك يعني
إخفاء فرحتهم كي لا يدرك الرجلان القيمة الحقيقية
للمنجم، تخابث الممولون وقالوا للمنقبين أن جانين قد لا يكون مُحقّاً وأن المنجم
لا يساوي تلك القيمة فأغضب ذلك الرجلين. لجأ الممولون إلى حيلة أخرى وقالا إن أَصَرَّ
الرجلان على الاحتفاظ بحصةٍ من المنجم فإنها لن يستطيعا التعامل مع أباطرة
الاستثمار والاقتصاد الذين سوف يخدعونهما ويستولون على حقوقهما، ولذلك عليهما أن يَقنعا
بالمبلغ المتفق عليه أي 700,000
دولار، وكان مبلغا هائلاً في ذلك الوقت، فَتَفَّهَم المُنقِّبان الأمرَ، ووافقا
على استلام ما تبقى لهما من المال، وفي المقابل وقَّعا على تنازل للمولين عن حقِّ
استغلال المنجم، وترکا لهما خريطة تُبَيِّنُ كيفية الوصول للموقع.
انتشرت
الأخبار عن المنجم كالنار في الهشيم، واشتهر المنقبان في كل أنحاء ويومنج، وأثناء
ذلك كان هاربندنج وشركاه ينفقون الملايين التي جمعوها من المستثمرين على المعدات
وتوظيف أكفأ الخبراء وتأثيث المكاتب الفخمة في نيويورك وسان فرانسيسكو.
بعد
ذلك بأسابيع قليلة وفي رحلتهم الأولى للموقع عرف الممولون الحقيقة المُرَّة لم
يجدوا أي ياقوت أو ماس، فقد كان الأمر كله زيفاً وخداعاً، وعرفوا أنه قد حل بهم
الخراب. فمن غير قصدٍ قام هاربندنج بإغراء أثرى أثرياء العالم للوقوع في أكبر
احتيال في القرن.
المصدر: THE 48 LAWS OF POWER, ROBERT GREEN
إقرأ أيضاً:
قصة وحكمة: كيسنجر يلعب على الحبلين
قصة للأطفال: البقرة السمينة تطير
قصة للأطفال: أرنوب وأرنوبة وآذانهما الطويلة
قصة وحكمة: تَرَفّع عن التَّورّط في صراعات الآخرين
قصة وحكمة: لا تتدخّل إلا في الوقت المناسب لك
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق