قصة وحكاية: • قصة للأطفال: الثعالب تحكم مملكة القرود!

المسؤولية

استيقظت جدتي من قيلولتها وبدأت طقوسها: صلاة المغرب. ثم تصنع فنجان قهوتها، فإذا كان الوقت صيفاً، تجلس في الشرفة لاحتسائه. وإذا كان شتاء، تكون جلستها بجوار المدفأة في ركن من حجرة المعيشة وهى تراقب أهل المنزل.

في ذلك اليوم كنا في فصل الصيف، وكنت قد انتهيت من مراجعة دروسي وواجباتي المدرسية، فتسلّلتُ إلى حيث تجلس. لم تتفاجأ، وابتسمت وهي تعرف رغبتي في الاستماع إلى إحدى حكاياتها. لذلك رحبت ودعتني للجلوس لتبدأ الحكي:

- في زمن ليس ببعيد، اكتشف أحد العلماء أن الحيوانات كالبشر. بعضها يحب تأمين حياته بالعمل في الالتحاق بوظيفة دائمة، والبعض يتمنى أن يصبح من رجال الأعمال ليكون حُرّ نفسه، ومنهم من يطمح بالعمل عند أصحاب النفوذ والقوة، وبعضهم يغير وظيفته أو عمله بعد اكتسابه بعض المهارات، وأيضاً منهم الكسول والفهلوي، والنصّاب، والمتسول.

- «عجيب يا جدتي، وكأنها تفكر مثل الإنسان أيضاً!» هكذا قاطعتها. لكنها استمرت في الحكي:

- بعض الحيوانات والطيور تتميز بالذكاء وتتحكم «الغريزة» في جميع تصرفاتها، ولكنها لا تفكر مثل الإنسان. وهذا ما حدث للقرد ميمون الذي وجد نفسه ملكاً على جميع قردة الغابة. وطبعاً وظيفة «ملك» لم تخطر على باله أبداً، فهو يعترف بأنه لا يعرف كيف يدير شئون المملكة، ولا كيف يكون عادلاً.

القرد ميمون قبل أن يتوج ملكاً، كان لا يحب العمل، ولا يهتم بأي شيء غير نفسه. لذلك جلس ثلاثة أيام يفكر في كيفية إدارة شئون المملكة دون أن يزعج نفسه وفي كيفية إلقاء المسئولية على غيره، فتوصل إلى فكرة غريبة، وهي أن يوظف سبعة ثعالب وكل ثعلب بدرجة وزير للاهتمام بالقردة ومشكلاتهم الحياتية ليتفرغ هو للاسترخاء والكسل الذي يحبه، والاستمتاع بالحفلات اليومية من لهو ورقص وغناء، وما لذ وطاب من الفاكهة واللوز، وكانت الثعالب السبعة توفر له كل شيء بينما تدير المملكة بالشكل الذي يخدم مصالحها فقط. وقد اعترض خادم القرد العجوز على توظيف الثعالب، وحذره من أنها حيوانات مفترسة، لا تعرف الود، أو الصداقة، فطمأنه القرد ميمون الملك إلى أن كل شيء تحت السيطرة، ويجب ألا يخاف.

ومع مرور الأيام زادت شكاوى القردة من الثعالب التي ضربت عرض الحائط بكل الحقوق والقوانين من خلال رسائل إلى قصر القرد ميمون الملك، الذي كان يحولها دون أن يعرف فحواها إلى كبير الثعالب للتصرف والنظر فيها. وعندما أحست الثعالب بأن القردة بدأت تتمرد عليها، أعلنت الحرب السرية عليها بالقضاء على كل من يتجرأ بتقديم شكوى. ولهذا السبب، بدأت أعداد القردة في التناقص المستمر. وفي موعد الذكرى الأولى لتوليه العرش، فوجئ القرد ميمون الملك في الاحتفال بأعداد قليلة من القرود التي حضرت وأغلبهم من العجائز، بينما اختفت جميع القردة الشابة، فأصابته الدهشة. وعندما سأل كبير الثعالب عن السبب، كذب الأخير عليه، وأخبره أن القردة الشباب تفضل الهجرة من المملكة!

انزعج القرد ميمون الملك، وتساءل: لماذا تهاجر؟!. فرد كبير الثعالب: ربما هي لا تحبك يا مولاي؟!» تعجب القرد ميمون وهمس لنفسه: «ومن ذا الذي لا يحب القرد ميمون الملك؟!». كان كبير الثعالب قد سمعه، فعلق قائلاً: لا تشغل بالك يا مولاي. فنحن الثعالب سنحميك ونفديك بأرواحنا!

فكر القرد ميمون الملك في شيء، ولكنه لم يتكلم. وعندما انتهى الاحتفال وعاد إلى القصر، استدعى خادمه القرد العجوز وحكى له مارآه في الاحتفال وما قاله كبير الثعالب، فقال القرد الخادم العجوز:

- يا مليكي ميمون المحترم، لقد حذرتك من لؤم وغدر الثعالب.. والآن زاد فسادها وأحكمت قهرها على كل صاحب حق، وأصبح من يعترض، أو يطالب بحقه مصيره الحبس والتعذيب، فإذا كان صغيراً يتم افتراسه كل ليلة على مائدة الثعالب كوجبة مميزة.

- وما العمل أيها الخادم العجوز؟، قالها القرد ميمون الملك. فأخبره الخادم بثقة:

- عليك بالتخلص من الثعالب السبعة التي أوكلت إليها إدارة شئون المملكة، لأنها اصبحت تشكل خطراً عليك أنت أيضاً يا مولاي!

استفسر القرد ميمون الملك:

- كيف؟!

- ليس أمامك غير الكلاب!.

- وما دخل الكلاب بحل هذه المشكلة!

تأمل القرد الخادم العجوز مولاه قائلاً:

- الكلاب هي العدو الأول للثعالب. تخافها، وتعمل لها ألف حساب.

قاطعت جدتي قائلاً: الكلاب وفيّة.. ولا تعرف الغدر. أسكتتني جدتي وأكملت: ضرب القرد ميمون الملك جبهته صائحاً:

- فعلاً.. أنت على حق أيها العجوز!

وعلى الفور كلّفه أن يقوم في السِّرّ بالبحث عن عشرة كلاب مدربة للمطاردة لهذه المهمة. ولكن بعد أيام، أحست الثعالب بشيء ما سيحدث، فاجتمعت في محاولة للقضاء على القرد ميمون الملك، وفي اليوم المقرر لافتراسه، تم القبض عليه وتقييده ليكون وجبة مميزة على مائدة العشاء في اليوم التالي، حيث أعلنوا في الصباح في إذاعة القردة عن هروب القرد ميمون الملك الذي خان الأمانة، وساعد في انتشار الفساد، وسلب الحقوق المشروعة للقردة الرعية في حياة آمنة.

ولكن المؤامرة لم يكتب لها النجاح، لأن الكلاب العشرة كان قد أحضرها الخادم العجوز، فلما رأتها الثعالب، حاولت الهرب.. ولكن الكلاب تمكنت من محاصرة الثعالب، وحاولت الرعية من القردة الفتك بها أثناء الحصار بقذفها بثمار جوز الهند، فتدخل الخادم العجوز بمنع الكلاب، وتم تحرير القرد ميمون الذي خطب في القردة الرعية، معتذراً عن اختياره الخاطئ.. وعن كسله، وعدم تحمل المسئولية، ومن يومها أصبحت القرود تحكم مملكتها دون تدخل الغير في شئونها.

سكتت جدتي عن الحكي، ورشفت آخر رشفة من فنجان قهوتها وهي تتأملني.. ربما لتعرف تعليقي على الحكاية، فقلت لها:

- عندما يرضى أي كائن بتحمل مسئولية ما .. يجب أن ينجزها على أكمل وجه!

ابتسمت جدتي، واستعدت لمغادرة الشرفة.

بواسطة مجدي نجيب

تابعونا على الفيسبوك

مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي

حكايات معبّرة وقصص للأطفال

www.facebook.com/awladuna

إقرأ أيضاً

قصة للأطفال: الحلم الوردي

قصة للأطفال: فرفوش فأر الحقل

قصة للأطفال: بحر الكتب