حَزّورَةُ الأمس
عندما كنت صغيرة في مثلِ عمر بعضِكم الآن، وتحديداً في الصفِّ الثاني الابتدائي، عرفت أن الألغازَ يمكن أن تكون مرسومةً أيضاً، قبلاً في منزلي كان الأهلُ يستخدمون الكلامِ فقط، فيلقي أحدهم اللغزَ علينا بسرعةٍ مثل: أخضر في السوقِ، أحمر في البيتِ، ما هو؟ وتكون الأجابةُ كما تعلّمناها منهم هي الحناء، أو كبر الكف وتلفّ العالمَ لف؟ ما هي؟ والإجابة هي الرسالة.
كنا
نستمتعُ بمثلِ تلك الألغازِ ونطلب المزيدَ منها، حتى لو لم نتوصل إلى إجابةٍ لها،
ومهما كرروها وأعادوها علينا لا نملّ منها أبداً.
«المُدَرِّسَة نورية» معلمةُ اللغةِ العربيةِ في مدرستي الابتدائية
في إحدى الحصصِ، أحبّتْ أن تُسَلِّينا، فرسمتْ لنا لغزاً على سبورةِ الفصلِ، كان
رسمُها يشبه الرسوم المتحركة، وكانت السعادةُ تغمرنا وهي تُخَطِّطُ الرسمَ بقطعِ
الطباشيرِ البيضاءِ والملونةِ التي كانت تُستخدمُ في المدارسِ قديماً.
عندما
انتهتْ «المُدَرِّسَة نورية» من الرسمِ ابتعدتْ عن السبورةِ وأشارتْ بعصاها
الرفيعةِ الطويلةِ نحو السبورةِ: هذا رجلٌ لديه ذئبٌ وخروفٌ وربطةُ برسيمِ، وهو
يريدُ نقلَ تلك الأشياءِ إلى الضفةِ الأخرى من النهرِ بقاربِهِ، فماذا يفعل
والقاربُ لا يتسع إلا لشيءٍ واحدٍ فقط ينقله معه في كلِّ مرةٍ؟
عندما
تأمّلنا الرسمَ، أسرعنا بالإجابةِ: ينقل البرسيمَ معه أولاً في القاربِ ثم يعود
لنقل الخروفَ ثم الذئبَ.
علّقت
«المُدَرِّسَة نورية»: عندما ينقل البرسيمَ أولاً سيعود ليجدَ أن الذئبَ قد أكل
الخروفَ..!
شعرنا
بالإحباطِ قليلاً وحاولنا التفكيرَ بحلٍّ آخر ثم أجبنا: ينقل الذئبَ أولاً، ثم
يعود لنقلِ البرسيمِ ومن بعد يأتي دور الخروف.
ومرةٌ
أخرى علّقت «المُدَرِّسَة نورية»: عندما ينقل الذئبُ أولاً ويعود سيجد أن الخروفَ
قد أكلَ البرسيم! الحل الثاني غير مناسب أيضاً!
احترنا
في حلِّ اللغزِ وبعد أن يئسنا أَعْلَّنا الاستسلامَ، فحلّتْ المُدَرِّسَة نورية
اللغز لنا: يقومُ الرجلُ بنقلِ الخروفِ أولاً ويترك الذئبَ مع البرسيمِ، لأن
الذئبَ حيوانٌ مفترسٌ ولا يأكل النباتَ، ثم يعود لنقلِ البرسيم ويضعه عند الضفةِ
الأخرى، لكنه هذه المرة يعود بالخروفِ معه مرة أخرى، يضع الخروفَ مكان الذئبَ
ويقوم بنقلِ الذئبَ إلى الضفةِ الأخرى قرب البرسيمِ، ثم يعود أخيراً لنقلِ الخروفَ
إلى حيث الذئب والبرسيم، وبذا تَسْلَمُ الأشياء الثلاثة وتبقى معه!
أدهشتنا
المُدَرِّسَة نوريّة بحلِّ اللغزِ، ورسمناه في أوراقنا ورحنا نستعرضه أمام تلميذات
الفصول الأخرى، وبعد المَدْرَسَة نلغز أهالينا والجيران، وحين يستعصي عليهم الحلّ
أو هكذا كان يبدو عليهم، كنا ندهشهم بالحلِّ الذي أخبرتنا به «المُدَرِّسَة نورية»
ونضحك جميعاً للغزِ الطريفِ.
عندما
كبرت، أحببتُ أن أعرضَ اللغز على بعض الأطفالِ ممن هم في مثلِ عمري في ذلك الوقت،
رسمتُ اللغزَ لهم وطلبت الحلَّ وأنا متشوّقة للحظةِ استسلامهم وإدهاشهم بالحلِّ،
أتدرون بماذا أجابوا؟!
اعترض
أحدُهم: ولكن لماذا يرغبُ هذا الرجلُ أن يحتفظَ بالذئب؟! هذا رجلٌ غبيٌ يخشى على
خروفهِ من الذئبِ ولا يخشى على نفسِهِ من أن يأكله الذئب، هذا اللغز ليس لغزاً
قوياً!
وعَلَّقَتْ
إحداهن: ولماذا يحمل الرجلُ معه ربطةً من البرسيم؟ ألا يوجد على ضفتي النهرِ
الكثيرِ من الحشائشِ والنباتاتِ الكافيةِ لإطعامِ الخروفَ..!
هذا
الرجلُ لا يرى ولا يستفيد مما حولَه، هذا اللغز ضعيف ولا يعجبني..!
أدهشتني
ردود الأطفال، وأدركتُ كم أصبح العالم مُعَقّداً وغير بسيط، ولم يعد فيه مكان
للدهشةِ مثل تلك التي انتابتنا عندما رسمتْ «المُدَرِّسَة نورية» اللغزَ على
السبورةِ، وفي الحقيقةِ لم أتشجّع أن ألغزهم بلغزٍ آخر من ألغازِ «المُدَرِّسَة
نورية»..!
لطيفة بطي
مواضيع تهم الطلاب والمربين
والأهالي
إقرأ أيضاً
قصة مَثَل: عاملناه بأصلنا فخان وعاملناه بأصله فصان
قصة للأطفال: الثعالب تحكم مملكة القرود
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7
مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على
المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل
المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن
شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة
شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث
عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات
وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات
وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق