حكاية من إنجلترا
كانت هناك أسرةٌ صغيرةٌ من الفئران، تعيش تحتَ أرضية غرفة للألعاب. الأسرة مكونة من الأبِ، والأمِ، وابنة كبرى تدعى "موسكين"، وفأرٍ صغيرٍ جداً جداً هو أصغر فرد في الأسرة.
بيتُ
الفئران له بابان، يؤدي أحدهما لخزانة اللعب في غرفة الألعاب، ويفتح الآخرُ على
ردهة طويلة، يرتادها الأبوان في الليل بحثاً عن كسرة خبز، أو بعض الفتات، أو
يذهبان للمطبخ ليسرقا الجبن.
"موسكين"
والفأر الصغير غير مسموح لهما بالوجود في تلك الردهة، وإن كان يسمح لـ"موسكين"
أحياناً بالذهاب إلى خزانة اللعب. أما الفأرُ الصغيرُ فلم يكن مسموحاً له بالذهاب
لأي مكان، ودائما ما كان يريد التعرف على العالم من حوله، فيسأل أخته: ماذا يشبه
هذا العالم يا "موسكين"؟! هل هو غريب؟ هل هو ممتع؟ ماذا يحوي من روائح
مميزة؟ (وذلك لأن الفأرَ يميز الكثيرَ من الأشياء برائحتها، فالرائحة عنده مهمة
جداً).
فتجيبه
"موسكين": إنه غايةُ في الغرابة يا فأري العزيز، فهو عبارة عن الكثيرِ
من الأرفف واحداً فوق الآخر، وعلى الأرففِ تجد أشياء ناعمة، وكائنات تبحلق لك
بعينين مدورتين. لا ترمش أو تغمض عينيها، ومع ذلك لا ترى أي شيء.. هي لا تبتسم، أو
تحرك شواربها مثلنا. هي فقط تجلس هناك. ويسمونها لعباً. وهناك صندوقٌ به خطوطٌ، لو
قمت بفتحه سيقفز منه قزم يرتدي ملابس مخططة أيضاً، ويتخلل ذلك فرقعة وضحكات عالية،
وتسمى هذه اللعبة (جاك في الصندوق)، وهناك كرةٌ حمراءُ مستديرةٌ تدور حتى تسقط في
مكان مخصص لها. وتوجد مكعبات يمكنك صنع قلعة منها. أما إذا سألتني عن روائح
العالم.. فيمكنني أن أجيبك بأنها مكونة من الغبار، والمطاط، والكتب... (والعالم
عند "موسكين" عبارة عن غرفة اللعب التي لم تر غيرها).
-
وما هي الكتب يا "موسكين"؟!
-
الكتب هي مجموعات من الأوراق ذات الأحجام، والألوان
المختلفة، ومن خلال تقليب الصفحات يمكنك أن تتطلع إلى الصور، وتصبح ماهراً،
وحكيماً.
-
ومن هو الحكيم؟
-
هو من يعرفُ الكثيرَ عن الأشياء يا فأري الصغير. من
يعرف لماذا يكون الجبن لذيذَ الطعم؟ وكيف يعلّق الجرسَ في رقبة القط، وكيف يتم
خبزُ الرغيف، وباستطاعته أن يغني أغنية، ويعرف من أين يأتي السكر.
-
من الجميل أن تكون حكيماً.. "موسكين".
-
بل هو أجمل شيء في العالم يا فأري الصغير، ولذلك أقوم
بتعليم نفسي القراءة، وأنا الآن أستطيع قراءة حرف (أ) وكلمة (أرنب)، وحرف (ب)
وكلمة (بطة)، وبإمكاني قراءة بعض الكلمات الطويلة أيضاً.
فكّر
الفأرُ للحظة ثم قال: أخبريني عن الكلمات الجديدة التي تعلمتها.. "موسكين"!
عندئذ يمكنني أن أكون حكيماً أنا أيضاً. سوف أكون أحكمَ فأرٍ صغيرٍ في العالم.
فمتى تعلمنا أصبحنا حكماء أليس كذلك يا "موسكين"؟
تقول
"موسكين": بالطبع يا فأري الصغير، والآن سأذهب إلى خزانة اللّعب، وعندما
أعود سوف أعلمك حرفي (أ)، (ب).. وكلمتاهما أرنب، وبطة.. كما أنني سوف أعلمك
الكلمات الطويلة أيضاً.. فسوف تحب تعلّمها.
سمع
الفأر الأب حديث ولديه فقال: ما أجمل كلمات الفأر الصغير الآن.
وفي
يوم من الأيام عادت "موسكين" من خزانة اللّعب وعيناها تدوران، وتلمعان..
وقالت للفأر الصغير: هل تعلم ماذا رأيت اليوم في خزانة اللعب؟
لقد
رأيت صورةَ لكائنٍ عجيبٍ في كتاب.. هذا الكائن عبارة عن وحش ضخم.. هو أكبر من
القطة، وأكبر من الكلب.. وأكبر حتى من الحصان الصخري الذي نعرفه، واسمه عبارة عن
كلمة طويلة وصعبة.. استمع جيداً أيها الفأر الصغير إن اسمه: ديناصور.
حرّك
الفأرُ الصغير شواربه، وقال: ديناصور!! إن هذه الكلمة أطول مني أنا شخصياً!
قالت
"موسكين": هذا الوحش يعني السحلية العملاقة، وعنقه طويل.. طويل، وهو
يملك جسداً ضخماً، وأرجلاً عظيمة، وبعض أنواعه لها ذيل طويل، ورءوس كثيرة. ظلّ
الفأر الصغير ليومين طويلين يردّد المعلومات التي سمعها عن الديناصور، ويردّد
اسمه، وفي النهاية قال: لابد أن أرى صورة ذلك الوحش.
سأل
الفأر الصغير والديه الإذن في الذهاب إلى خزانة اللّعب مع "موسكين" ليرى
صورة الوحش، ولكن الأم رفضت قائلة: إنك مازلت صغيراً جداً، وقال الأب: لو قام
أحدهم بفتح باب الخزانة، ورآك لن تعرف كيف تهرب منه، أو إلى أين تهرب، سوف يتمكن
منك الأطفال، يمسكونك، ويضعونك في قفص، لا يمكنك الذّهاب إلا عندما تكبر.. ساعتها
ستتمكن من حماية نفسك.
لم
يستطع الفأر الصغير قول شيء حيال ذلك، ولكنه قرر الذهاب مهما تكن النتائج، وأعدّ
خطة لذلك.
في
اليوم التالي عندما كان والداه غائبين، وأخته نائمة تسلّل الفأرُ الصغيرُ ليصل
لخزانة اللعب، ولأنه لا يعرف الطريق فقد وجد نفسه في الممر الطويل المظلم المؤدي
إلى الردهة، وليس إلى خزانة اللعب. كانت شواربه ترتجف من الإثارة والخوف، وعندما
سمع صوتاً مخيفاً قال: ربما هذا صوت الديناصور (الفأر لا يفهم بالتأكيد أن الصور
لا صوت لها)... ومشى ببطء.. فوجده.. قال لنفسه: لابد أن يكون هذا الديناصور.. لا
يمكن أن يوجد ما هو أضخم من هذا الشيء على وجه الأرض.. (كان الفأر ينظر في هذا
الوقت إلى المكنسة الكهربائية) كان أحدهم يجر الديناصور من خرطومه، وكلما مشى
الديناصور اهتزت الأرض من تحته.
قال
الفأر الصغير: لابد أن أحدهم يأخذ الديناصور في نزهة.
كان
الديناصور يجمع في طريقه الأتربة والغبار، والفأر ينظر إليه سعيداً، ويجري من
أمامه كلما تقدم نحوه. وفجأة فتح باب في الردهة، ونادى أحدهم مالك الديناصور قائلاً:
هل مازال أمامك الكثير من العمل؟
فرد
مالك الديناصور الذي يجره معه قائلاً: لا.. سأنتهي من التنظيف، ومن استخدام تلك
المكنسة في الحال.
وبمجرد
أن أنهى المالك جملته قام برفع الديناصور ونزع ذيله من الحائط، وجاء أحدهم، وأخذ
الديناصور بعيداً.
تسلل
الفأر الصغير عائداً إلى بيته سعيداً، وفاجأ والديه، وأخته بمغامرته، وحكى لهم كيف
رأى الديناصور، وتأمل أقدامه، وذيله الطويل، وإنه كان كلما تحرك اهتزت الأرض من
تحته، كما أن له وظيفة جميلة فهو ينظف الأرض من الأتربة، ويأكل المخلفات، وله اسم
آخر هو: المكنسة الكهربائية.. نظرت الأسرة بأكملها إلى الفأر الصغير بإعجاب وقالت "موسكين":
كم أنت شجاع أيها الفأر الصغير كما أنك أصبحت حكيماً الآن.. فأنت تمدنا بالمعلومات..!
وقال
الأب: غداً يمكنك الذهاب مع "موسكين" إلى خزانة اللعب، ولكن لا تذهب إلى
الردهة مرة أخرى، فربما يمسك بك الديناصور ويلتهمك.
اعتذر
الفأر الصغير لوالديه، ووعدهما بإطاعة أوامرهما من الآن فصاعداً.
وهنا
سألته "موسكين":
-
هل أنت سعيد أيها الفأر الصغير؟
ابتسم
الفأر الصغير ابتسامة كبيرة، وحرك شواربه، وقال:
-
أنا في غاية السعادة، فأنا أشعر، أشعر، وكأن العالمَ
قطعةٌ كبيرةٌ من الجبن.
تأليف:
مارجريت ماهي / ترجمة: د. إيمان سند
المصدر: 1
مواضيع تهم الطلاب والمربين
والأهالي
إقرأ أيضاً
قصة للأطفال: في الحلم نفعل الأعاجيب
قصة للأطفال: طائرة فادي الورقية
قصة للأطفال: مهنّد يستفيد من الدرس
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7
مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على
المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل
المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن
شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة
شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث
عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات
وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات
وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق