الجزاء
في قديم الزّمان وفي أحد الشّطآن، تصادقتْ سلحفاة بحريّة وصيّادٌ إنسان. وتوطّدت بينهما الصّداقة. ومَتُنَتْ «قويت واشتدت» بأن عقدا اتّفاقاً...
فقد
كانت السّلحفاة تخرج إلى البرّ. لتضع بيضها معرّضاً للخطر. تاركة إيّاه للمغيرين.
وتعود آسفة دامعة العينين. إلى أن صادقت الصيّاد. فأشار عليها بحفر أخدود. لا
يعلمه العدوّ الّلدود. ثمّ تردم بيضها في جوف الرّمال. تاركة الصيّاد ساهراً عليه
في كلّ الأحوال. على أن تدلّه على أماكن السّمك ليعود بما لذّ وطاب. ويعود غيره
فارغ الوطاب.
وفي
إحدى المرّات، أبحر الصيّاد كعادته إلى صديقته السّلحفاة. ولكن ما إن رأته حتّى
قالت له: عد يا صيّاد، فالسّمك مازال حديث الميلاد. صغير الحجم. قليل اللّحم. لا يُسْمِنُ
ولا يغني من جوع، وصيده عندكم معشر البشر ممنوع.
فغضب
الصيّاد وزمجر. وكاد من الغيظ ينفجر. وظـنّ أنّها خدعته. وأخلفتْ بعدما وعدته.
فعاد لتوّه إلى الشّاطئ. يسكنه وهم خاطئ. وانطلق إلى البيضات. متوّعداً بالانتقام
من السّلحفاة... فأخذها وباعها في السّوق دون تردّد.
ونَسِيَ
ما كان بينه وبين السّلحفاة من تودّد. وكان يقول لنفسه: ثمن البيض يعوّض لي
الخسارة. ولتكن تجارتي فيه خير تجارة.
ومرّت
الأيّامُ. وعاوَدَ الصيّادَ الحنينُ. إلى نَيْلِ صيدٍ ثمين. فركب البحر إلى صديقته
السّلحفاة وقد نسي كلّ ما فات. فاستقبلته السّلحفاة بالابتسامة، وسألته عن الأمانة،
فتردّد الصيّادُ وتلعثم. ثمّ أطرق ولم يتكّلم. ففهمت السّلحفاة من عدم الجواب. وعَلِمَتْ
ما حلَّ بأولادها من مُصاب. فبقيت تتلوّى وبجمر الحزن تتكّوى. وقالت والدّمع ينهمر
من عينيها:
-
أيّها الصيّاد الظّالم. خُنْتَ عهدي وميثاقي. وبِعتَ
فلذات كبدي في الأسواق. لقد بلغ بك اليأس. إلى بيع أبنائي بثمن بَخْس.
فاندفع
الصيّاد مدافعاً عن نفسه: لو كنتِ أمّاً حنوناً لَسَهِرْتِ اللّيالي. تحرسين بيضك
في الرّمال. ولكنّكِ أهْمَلْتِ عِيالك فجرى الذّي جرى لك.
-
والآن، كُفّي عن هذه العبرات المزعومة. فما أبعدَكِ عن
عاطفة الأمومة.
فأجابته
بكآبة: إنّه قانون الطّبيعة الذّي يسري علينا... شئنا ذلك أم أبينا.. فَقَدَرُنا
أن نتخلّى عن الأولاد، ولا حقّ لنا في أن نشهد لحظة الميلاد. ولكنّكَ خُنْتَ
العهد. وأَخْلَفْتَ الوعد. وقد كان أولادي أمانةً بين يديك. واتفاقنا دَيْناً
عليك. فماذا فعلتَ بمكارم الأخلاق؟ أَبِعْتَهَا كما بِعْتَ أولادي في الأسواق؟
فقال
لها الصيّاد: إنّك تتحدّثين كأنّك صاحبة الكرم. أَسْبَغْتِ عليّ صنوف النِّعم.
فقالت
له السلحفاة: أنا من جعلتك بين الآدميّين صيّاداً. ورفعتُ شأنك وَبَنَيْتُ لك
عماداً. وكنتَ تقتاتَ من ميّت السّمك. وتقنع من العيش بالضّنك. فصرتَ ميسوراً في
أيّام العسر. ومبذّراً في أيّام الفقر. واستأثرتَ بسرّ هذا الأزرق. تغنم منه وغيرك
يغرق. ولكن لا بأس، هيّا اتبعني بشباكك، لتعود إلى البرّ بأسماكك...
ولمّا
وصلا إلى المكان المعلوم. أدرك الصيّاد أنّ هلاكه محتوم. فلم يكن إلاّ مملكة
القروش الجائعة. ترصد الفرائس الضّائعة. وهاهي تدور حول القارب تريد أن تقتلعه.
وتتربّص بصاحبه لتبتلعه.
فصاح
الصيّاد مستغيثاً: الرحمة يا سلحفاة... لاتحرميني لذّة الحياة.
فقالت
له: اعلم أنّ للطّبيعة أيضاً قانوناً.. فكما استهنتَ بغيرك تهون. فانظر إلى حالك.
وعاقبة أمرك وأفعالك. وتذكّر أنّك فعلت فعلتك التي فعلت. فما انتهيتَ وما ندمتَ.
وما جازيتَ إحساناً بإحسان. ولكنّك قابلت معروفاً بنكران. فهذا جزاء من بادر
بالخيانة. وضيّع الأمانة.
ثمّ
انقضّتْ عليه القروش. فصار القارب كالعِهْنِ المنفوش. واختفى الصيّادُ وضاع. بعد
أن سحبته الأسماك إلى القاع. ومنذ ذلك الزّمن. لم تعد السّلاحف تطمئنّ إلى إنسان.
وصارت تخفي بيضها في الرّمل بعيداً عن العيان. ولكنّها في هذا الزّمان تعقد الأمل
في حمايتها على الأيادي البريئة. أطفال الدّنيا حماة البيئة.
بواسطة
عماد الجلاصي
المصدر: 1
مواضيع تهم الطلاب والمربين
والأهالي
إقرأ أيضاً
نوادر العرب: أبو العيناء ورئيس الشرطة
قصة وحكمة: الحكيم ورجل يسبح في النهر
قصة وصيّة: الجَشِعُ والقائد على مأدبة الطعام
قصة مخيبة: طفيلي يتشارك الطعام مع رفاقه
قصة للأطفال: صديقي الديناصور تي ريكس
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7
مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على
المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل
المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن
شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة
شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث
عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات
وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات
وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق