رُبَّ ضارَّةٍ نافِعَة
بَكَّرَت
الفأرةُ «ميزار» وَسَبَقَتْ طلوع النهار. ودخلت غرفة أولادها في غير ميعادها: هيّا
أفيقوا يا أولاد، لتملأوا بطونكم الجائعة، ثمّ استعدّوا للمفاجأة الرّائعة.
فانفتحت الأعينُ دهشةً وكذلك الأفواه قائلة: أيّة مفاجأة؟ هيّا أخبرينا يا أمّاه.
-
لا ليس قبل أن تغسلوا وجوهكم، وتتناولوا فطوركم.
فَقَفَزَ
الفئران فرحين. للمفاجأة متشوّقين. إلاّ «ميزو» أصغرهم فقد كانت كثرة النّوم أشهر
طباعه. بل إنّها أقوى من فضوله و حبّ اطّلاعه. فما كان منه إلاّ أن أسدل الغطاء
على رأسه حتّى غمّه «غَطَّاه». ولم يأبه «يهتم» بكلام أمّه. فَوَشْوَشَتْ له في
أذنه قائلة:
-
أعرف أنّك لا تنشط بالتّشويق والفضول. لذا سأخبرك
بالأمر يا كسول. سنخرج اليوم إلى الغابة فاستعدّ. ولكن حذار أن تبوح بالسّر لأحد.
عندها
نهض «ميزو» والتحق بإخوته حول المائدة. مردّداً في نفسه إنّ الكسل على خلاف ما
يظنّون له فائدة.
قالت
الفأرة: هذا اليوم يا أولاد هو أعظم يوم في حياتكم. فقد كبرتم واشتدّ عودكم. وصرتم
قادرين على العيش بجهودكم.
وستريحونني
في مستقبل الأيّام. من مؤونة البحث لكم عن طعام. ولقد قرّرت أن آخذكم في أوّل نزهة
لتكتشفوا العالم وأسراره. وتتفادوا أخطاره. نعم ستخرجون إلى هذه الدّنيا الرّحبة.
ولكن ستحتاجون إلى شيء من الدّربة «الدراية». وسيكون هذا الامتحان. أوّل خطوة على
برّ الأمان. لذا سأزوّدكم بالنّصائح والمعلومات. حتّى تستعدّوا جيّدا لهذه الحياة.
وسأتقدّمكم إلى الأمام. على أن تصطفّوا ورائي بانتظام. ويتعلّق أكبركم بي. فحذار
أن تثيروا غضبي. كأن يفتح أحدكم فاه. أو أن ينادي: أمّاه... يا أمّاه.
فقال
لها «ميزو»: وهل الفسحة المنظّمة. أن نتجوّل بأفواه مكمّمة؟
فأجابته
بحزم: إنّها يا ولد أسلم طريقة. ولا تنسَ أنّها عادة عريقة نختصّ بها عن سائر
القوارض. تتوارثها الأجيال بلا رافض ولا معارض.
وبعد
قليل، انتظم الجميع في شكل قافلة صغيرة. تسير وسط الحشائش على نفس الوتيرة.
تتقدّمها الفأرة «ميزار». الخبيرة بالثّنايا والأوعار «المكان الصلب».. كان
الصّغار مستمتعين بنسيم الغابة. ومبهورين بالمناظر
الخلاّبة. وكان «ميزو» يريد أن يتمهّل.
ويستوقف أمّه ليسأل ويسأل... فيصدّه الخوف الشّديد. ممّا سمعه عن
أمّه من وعيد. ولكن ما هي إلاّ ساعة. حتّى انفصل «ميزو» عن الجماعة. وبقي بعيداً.
يلهو بين الأعشاب وحيداً.
وكانت
السّيدة «ميزار» غافلة. عمّا يجري في ذيل القافلة.
وانشغل
ميزو في اللّعب. حتّى استلقى على ظهره من التّعب. ثمّ بدأ الخوف ينتابه. وطفق
الحزن يطرق بابه.
فشرع
يبكي ويصيح: واحسرتاه.. «ميزو» في الغابة تاه.
وفي
الوقت نفسه كانت الفأرة «ميزار» تتأهّب لاجتياز سكّة القطار. وفجأة توقّفت
وتلفّتت. فاكتشفت أنّ المجموعة قد نقصت.
فصاحت:
أين «ميزو» ولدي. فلذة كبدي؟
وعادت
أدراجها. وقد انتفخت أوداجها «عروقها». وبينما هي محتارة. دوّى في السّماء صوت
صفّارة. فالتفتت بوجل «بخوف». ورأت القطار يمرق كالسّهم على عجل. فحمدت اللّه على
سلامة أولادها من المكروه. ونجاتهم من عجلات هذا الوحش المدخّن المعتوه.
والفضل
يعود إلى ذلك الشّقيّ «ميزو» فلولاه. لحدث ما لا يحمد عقباه. لذلك سوف تكون
الحادثة له خير شافعة. وقديما قيل: ربّ ضارّة نافعة. وستكتفي أمّه عندما تجده
بتأنيبه. وتعيد ثانية مهمّة تربيته وتدريبه. وبهذا اهتدت السّيدة «ميزار» إلى
الحلّ الأسلم. وعادت مردّدة: دفع اللّه ما كان أعظم.
بواسطة
عماد الجلاصي
المصدر: 1
مواضيع تهم الطلاب والمربين
والأهالي
إقرأ أيضاً
قصة للأطفال: مولود جديد في البيت
قصة للأطفال: السمكة في بيت الصياد
قصة للأطفال: السّلحفاة والصيّاد
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7
مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على
المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل
المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن
شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة
شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث
عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات
وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات
وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق