أُصيب رجلٌ بداء
الاستسقاء، وأيَس أهله من حياته. فحُمل إلى بغداد وشاوروا الأطباء فيه فوصفوا له
أدوية كان قد تناولها بالبصرة ولم تنفع، فقال أهله: لا حيلة لنا في بُرْئه. فلما
سمع العليل قولهم قال: دعوني الآن أتزوّد من الدنيا وآكل ما أشتهي. فقالوا:
كُلْ ما تريد.
فكان يجلس بباب الدار،
فمهما اجتاز به اشتراه وأكله. فمرّ به رجل يبيع جراداً مطبوخـاً، فاشترى منه عشرة
أرطالٍ فأكلها بأسرها، فانحلّ طبعه فقام في ثلاثة أيام أكثر من ثلاثمائة مجلس وكاد
يتلف، ثم انقطع القيام وقد زال كل ما كان في جوفه، واستردّ قوته فبرأ وخرج يتصرف
في حوائجه.
فرآه بعض الأطباء فعجب من أمره وسأله عن
الخبر فعرّفه. فقال الطبيب: ليس من شأن الجراد أن يفعل هذا الفعل. ولا بد أن
يكون في الجراد الذي فعل ذلك خاصية. فأُحب أن تدلّني على صاحب هذا الجراد الذي
باعه لك.
فما زالوا في طلبه حتى اجتاز بالدار فرآه
الطبيب. فقال له: ممن اشتريت هذا الجراد؟ قال: ما اشتريته. أنا أصيده وأجمع
منه شيئاً كثيراً وأطبخه وأبيعه. قال: فمن أين تصطاده؟ فذكر له مكاناً على
فراسخ يسيرة من بغداد. فقال له الطبيب: أعطيك ديناراً وتجيء معي إلى الموضع الذي
اصطدت منه الجراد. قال: نعم.
فخرجا، وعاد الطبيب من الغد ومعه من
الجراد شيء ومعه حشيشة. فقالوا له: ما هذا؟ قال: صادفتُ الجراد الذي يصيده هذا
الرجل يرعى في صحراء جميع نباتها حشيشة يقال لها مازريون، وهي من الأدوية التي
توصف لداء الاستسقاء، فإذا أُعطى العليل منها وزن درهم أسهله إسهالاً عظيمـاً لا
يُؤمن أن ينضبط، والعلاج بها خطر، ولذلك ما يكاد يصفها الأطباء. فلما وقع الجراد
على هذه الحشيشة ونضجت في معدته ثم طُبخ الجراد ضعف تأثيرها فاعتدلت بمقدار ما
أبرأتْ هذا الرجل.
إقرأ أيضاً
للمزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق