كانت ميسونُ بنت بحدلٍ
النجدية ذاتَ جَمالٍ باهر وحُسنٍ عامر، أُعجِبَ بها معاوية وتزوجها، وهَيأَ لها
قَصراً مُشرفاً على الغوطَةِ بِدِمشق، زَيَّنَهُ بأنواعِ الزخارف ووضع فيه مِن
أواني الذهب والفضة ما لا يُضاهيه، ونَقلَ إليه مِن الديباج الرومي المُلَّون والمواشي
ما هو لائقٌ به.
ثُمَّ أسكنها مع وصائفَ
لها كأمثال الحور العين، فلَبِسَت يوماً أفخرَ ثيابِها وتزينت وتطيبت بما أُعِدَّ
لها مِن الحُلي والجواهر الذي لا يوجَدُ مِثلُه، ثم جلست في روشنها وحولها
الوصائف، فنظرت إلى الغوطة وأشجارها وسمعت تجاوب الطير في أوكارها، وشمّت نسيم
الأزهار، وروائح الرياحين والنوار فتذكرت نجداً وحنّت إلى أترابها وأُناسِها،
وتذكرت مسقط رأسها، فبكت وتنهدت، فقالت لها إحدى وصيفاتها ما يُبكيكِ وأنتِ في
مُلكٍ يُضاهي مُلكَ بلقيس؟! فقالت -
مشتاقة إلى حياتها في البادية -:
لَـبَـيـتٌ تَـخـفـِـقُ الأريـاحُ فـيه أَحَبُّ إليَّ مِن قَصرٍ مُنيفِ
ولُـبـسُ عَـبــاءَةٍ وتَـقَـرَّ عيني أَحَبُّ
إليَّ مِن لبسِ الشُفوفِ
فلما دخل معاوية، عَرَّفَتهُ الوصيفةُ بما
قالت، وقيل إنه سمعها وهي تنشد ذلك، فقال: ما رضيت ابنة بحدل حتى جعلتني عِلجاً
علوفاً؟ هي طالق! مُروها فلتأخذ جميع ما في القصر فهو لها ثُمَّ سَيَّرها إلى
أهلِها بنجد، وكانت حاملاً بيزيد فولدته بالبادية وأرضعته سنتين، ثُمَّ أخذهُ
معاوية منها بعد ذلك.
المصدر:
كتاب حياة الحيوان الكبرى للدميري.
إقرأ أيضاً
للمزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق