حَدَّثَني رَجُلٌ كَبيرُ
القَدْرِ صَادِقُ اللّهجَةِ قال: كُنتُ في لندنَ، فرَأيتُ صَفاً طَويلا مِن الناسِ
يَمشي الواحدُ مِنهم على عَقبِ الآخر مُمتداً مِن وَسَطِ الشارعِ إلى آخرهِ،
فسألتُ فقالوا إنَّ هذا مركزُ توزيع وأنّ الناسَ يَمشونَ اليهِ صَفاً كُلّما جاءَ
واحِدٌ أخَذَ آخرَ الصفِّ فلا يكونُ تزاحمٌ ولا تدافع ولا يَتقدمُ احدٌ دورَه ولو
كانَ الوزير ولو كان أمامه الكنّاس، وتلك عادتُهم في كُلِّ مكان على مدخل الكنيسة
وعلى السينما وأمام بائعِ الجرائدِ وعندَ ركوب الترام أو صعودِ القطار.
قال: ونظرت فرأيتُ في
الصفَّ كَلباً في فَمِهِ سَلَّةٌ وهو يمشي مع الناس كلما ساروا خُطوَة...
خطا خطوة لا يُحاولُ أنْ يتعدى دورَه أو
يَسبِقُ مَن أمامه ولا يَسعى مَن وراءه لِيسبِقَه ولا يجدُ غضاضةً أنْ يمشي وراء
كلبٍ مادامَ قَد سَبَقَهُ الكلبُ.
فقلتُ ما هذا؟
قالوا كلبٌ يُرسِلُهُ صاحبه بهذه السلّةِ
وفيها الثَّمَنُ والبِطاقةُ فيأتيهِ بنصيبهِ مِن الإعاشة.
لَمّا سَمِعتُ هذه القصّةَ خَجلتُ مِن
نفسي أنْ يَكونَ الكلبُ قَد دخلَ النظامَ وتَعلّمَ آدابَ المجتمعِ ونَحنُ لانَزالُ
نُبصِرُ أناساً في أكملِ هيئةٍ وأفخم زيٍ تَراهُم فَتَحَسَبُهُم مِن الأكابرِ
يُزاحِمونَكَ لِيصعدوا الترامَ قَبلَكَ بعدما وضَعَتَ رِجلَكَ على دَرَجَتِهِ...
أو يَمُدُّونَ ايديَهُم مِن فوقِ رأسِكَ إلى شُبّاكِ البريدِ وأنت جِئتَ قَبلَهُم
وأنتَ صاحِبُ الدورِ دونَهم... أو يقفزون ليدخُلوا قَبلك إلى الطبيبِ وأنت تَنظُرُ
مُتألماً لِساعتين... وهم إِنّما وَثَبوا مِن البابِ إلى المِحرابِ .
خَجِلتُ مِن رجالٍ لَمْ يتعلموا الانتظامً
الّذي تَعلَمَتُهُ الكلابُ!!
مواضيع
تهم الطلاب والمربين والأهالي
قصص
للأطفال وحكايات معبّرة
للمزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق