كان في المدينة رجل كثير المال، وكان له ولد وحيد ماتت
عنه أمه وهو صغير، فأغدق عليه والده المال والدلال حتى أفسده، وكان الأب رجل كريم
كثير الصدقة والعطاء، وكان كل صباح يأتي إليه رجل فقير، فيعطيه كسرات من خبز فطوره،
فيجلس إلى جواره حتى يأكل، وبعدها ينصرف، وظل الأمر على هذا الحال لسنوات، حتى
اشتد المرض على الأب، وخاف أن يبدد الابن كل ما ترك، فحاول نصحه ولكن دون جدوى.
فقد كان رفقاء السوء يحيطون به من كل صوب وحدب، يصمّون
أذنه ويعمون عينيه، لأنهم منتفعين مما هو فيه، بذخ ومال دون حساب، ولما اقترب
الأجل استدعى الأب أخلص خدمه، وأمرهم أن يبنوا سقفًا جديدًا لمجلس القصر تحت السقف
القديم، ويصنعوا ما بين السقفين مخزناً يضعونه به كمية كبيرة من الذهب، وأمرهم أن
يصنعوا في السقف بوابة ويضعون بها سلسلة حديدية، إذا تم سحبها للأسفل تنفتح باتجاه
الأرض، وفعلًا فعل الخدم كل ما أراد، وأبقوا الأمر سرًا عن الابن، وقبل الرحيل
استدعى الأب ولده مرة أخيرة، وأعاد فيه النصح والوعظ ولكن دون فائدة.
لقد
أسمعت لو ناديت حيًا ولــكـــن لا حيـــاة لمــــــن تنـــادي
لقد
أذكيت إذ أوقدت نــارًا ولكن
ضاعَ نفخُكَ في الرمادِ
ثم
قال له: بُنَيّ إذا مت، وضاع منك كل شيء، وغلقت الأبواب في وجهك فعدني ألا تبيع
هذا القصر تحت أي ظرف، وإن فكرت يومًا في الانتحار ففي المجلس الكبير سلسلة معلقة
اشنق بها نفسك، ومت في قصرك ميتة سهلة مستورة، لم يأخذ الابن كلام أبيه على محمل
الجد .
وظل
رفقاء السوء ينفقون من ماله حتى أفنوه، فكسدت التجارة وبيعت المحلات، ثم البساتين
والقصور، ولم يبق له سوى قصر أبيه، فباع الأثاث واحدًا تلو الأخر، وانفضّ الرفاق
من حوله، وكرهوا صحبته حتى أنه كلما ذهب إلى أحدهم أنكر وجوده، ورفض لقاءه.
ساءت
أحوال الشاب، ولم يعد عنده ما يقتات به، حتى ملابسة تمزقت، ونعله لم يعد يقوى على
المسير، كل الذي كان يجده كسرات من الخبز وبعضًا من الماء يحضرها لها المسكين الذي
كان يعطف عليه أبوه في حياته!
فضاقت
به السبل وأُغلقت في وجهه الطرق، وضاقت به الأرض بما رحبت، فقرر أن يضع حدًا
لمأساته وينتحر، وهنا تذكر كلام أبيه، وتلك السلسلة المتدلية من سقف مجلس القصر،
فأحضر صندوقًا ووقف عليه، وربط السلسة حول عنقه، وبعدها أزاح الصندوق بقدمية ليسقط
مشنوقاً، فيموت ميتة سهلة يرتاح فيها من الدنيا وكدرها
.
ولكنه
لم يمت، لقد فتحت البوابة السرية التي بين السقفين حينما انجذبت السلسة لأسفل،
وسقطت كميات الذهب الكبيرة على رأس الفتى حتى أغرقت، ففرح فرحًا شديدًا لأن الله
فرَّج كربه، وذهب إلى السوق واشترى حلو الطعام واللباس، وجاء بالرجل الفقير وجعله
رفيقًا له يقتسم معه الطعام والهندام، وبدأ في التجارة واسترد أمواله أبيه
وبساتينه وخدمه .
ولما
سمع رفاق السوء بتبدل حاله، وما صار فيه من عز وغنى، أرادوا الوصل والود القديم،
فأعدّوا مأدبة فاخرة ودعوه إليها، فلبى دعواهم، ودخل ولكنه لم يأكل من الطعام، فكل
ما فعله أن أمسك كُمَّ ثوبه وأخذ يضعه في كل صنف، وبعدها أراد الانصراف، فاستغرب
الرفاق عجيب صنعه، وسألوه ماذا يصنع؟ فقال لهم: أنتم ما دعوتموني أنا، أنتم دعوتم
أموالي وملابسي، وهذا ثوبي قد لبّى دعواكم، أما أنا فلا، وانصرف عنهم.
هذا
المثل هو بيت شعر قاله الشاعر الفارس عمرو بن معدي كرب بن ربيعة الزبيدي، الذي عاش
بين 525 - 642م، ويضرب فيمن لا فائدة ترجى من نصيحته.
مواضيع
تهم الطلاب والمربين والأهالي
قصص
للأطفال وحكايات معبّرة
للمزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق