في أواخر الستينات... وكان قد تبقّى على امتحان
الثانوية العامة شهران، بدأت حالة يأسٍ شديد تنتابني من أن أحقق المجموع الذي
يدخلني الكلية الفنية العسكرية برغم تفوقي النسبي في المدرسة، حيث كنا أسرة من ثمانية
أفراد نعيش في حجرة واحدة من الطوب اللِبِن في جنوب جنوب جنوب مدينة أسوان بدون
ماء أو كهرباء، ولا أستطيع التركيز طول النهار لوجود خمسة إخوة وأخوات أطفال معي
في نفس الحجرة طول النهار، فأنتظر نومهم لأُذاكر ليلاً فقط على لمبة جاز نمرة 10...
وفي حصة الكيمياء اكتشف أستاذنا صلاح محروس رحمه الله
سَرَحاني الشديد أثناء الحصة، وبعد الحصة اصطحبني الى المكتبة وحاول بشتى الطرق أن
يعرف مني السبب ولم يفلح، فأبلغ الأستاذة الناظرة أُمّنا المرحومة باذن الله زينب
حمودة، فسارعتْ بإرسال الأستاذة يمن يوسف سمباج رحمها الله الإخصائية الاجتماعية إلى
منزلي أثناء الحصص وعادت إليها بتقرير.
وحين
عُدتُ للمنزل أخبرتني أمي بحضورها فبكيت ولم أقرأ كلمة حتى اليوم التالي، ذهبت إلى
المدرسة أُحِسُّ الكثير من الخزي وكأنه عارٌ لحق بي، وفي الحصة الثالثة جاءت دادة
عواضة وطرقت الباب وهي تنظر إليّ واستأذنت أستاذتي مهدية حامد رحمها الله أن الست
الناظرة عايزة فرج الآن في مكتبها، فتمنيت أن تغوص بي الأرض... ولا أعرف كيف وجدتُ
نفسي في مكتبها، وفوجئت بالفريق مدكور أبو العز رحمه الله محافظ أسوان يجلس، وقام
رحمه الله ليسلّم عليّ ويقول: أهلاً بالرجل الرائع فرج، آبلة زينب هوستني من
امبارح علشانك يا راجل، خذ ورقة اهه، اكتب طلب شقة، واملا عليّ الصيغة وأخذ الطلب
من يدي وقال لي: انزل اركب عربيتي تحت وأنا جاي لك، ولم انطق بكلمة... وأنا أرى
بصعوبة بسبب احتقان الدموع التي لا تريد أن تنهمر أمام أحد.
واصطحبني
الرجل إلى شقة مكتب إسكان حيّ السيل الجديد، وأخرج مكاتب الموظفين إلى الشارع
وكتبوا لي على أحدها عقد الشقة.
ولن
أنسى جملة مديرتي زينب حمودة الشهيرة "عايزين نطلع من عندنا عبد الناصر واثنين
وثلاثة، إنتو مستقبل البلد دي".
وتفوقتُ
في الفنية العسكرية وتخرجتُ ضابط مهندس وشاركت في اكتوبر حرب الكرامة التي ربتنا
عليها استاذتي.
غفر
الله لها ورحمها وأسكنها مع النبيين والشهداء والصالحين وجزاها عني وأمثالي وهم كثر
بالتأكيد خير جزاء لمن راعى ضميره وربه في عمله.
اللواء
مهندس فرج حمودة
تابعونا على الفيس بوك
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
قصص للأطفال وحكايات معبّرة
إقرأ أيضاً
للمزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق