لم يُصَدِّقْ مُحسِنٌ
عَيْنَيهِ عِنْدَمَا رَأَى تِلكَ النّملةِ العَجِيبَةِ، ظَنَّ فِي بِدَايَةِ
الأَمْرِ أنَّه يَحلُمُ، فَاقْتَرَبَ أَكْثَرَ مِنْ (بَيتِ النَّمْلِ) وَدَقَّقَ
النَّظَرَ، ثُمَّ قَالَ فِي نَفْسِهِ:
"نَعَمْ..
نَعَمْ، إِنَّهَا نَمْلَةٌ، نَمْلَةٌ كَبِيرَةٌ ذَاتُ أَجْنِحَةٍ.. أَمَعْقُولٌ
ذَلِكَ هَذَا أَمْرٌ يُشْبِهُ الخَيَالَ.. !"
وانْطَلَقَ يَجْرِي
نَحْوَ أَصْدِقَائِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَلعبُونَ خَلْفَ البُيُوتِ، تَحتَ ظِلِّ
شَجَرَةِ الصَّنَوبَرِ الوَحِيدَةِ فِي حَيٍّهِم، وأَخْبَرَهُم وهُوَ يَكَادُ
يَطِيرُ مِنَ العَجَبِ:
- أَسْرِعُوا
..أَسْرِعُوا، لَقَدْ وَجَدْتُ نَمْلةً لَهَا أَجْنِحَةٌ.. تَعَالُوا تَعَالُوا
جَمِيعًا لِتُشَاهِدُوا.
اِنْدَفَعَ أَصْدِقَاؤُه
خَلْفَهُ يَجْرُونَ وَهُمْ يَقُوُلُونَ لَهُ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ
لِنَمْلَةٍ أَجْنِحَةٌ، لَا يُمْكِنُ.. ! لَابُدَّ أَنَّكَ أَخْطَأْتَ.. أَوْ
أَنَّكَ تَسْخَرُ مِنَّا.
وَوَقَفَ جَمِيعُ
الأَطْفَالِ أَمَامَ مَدْخَلِ بَيتِ النَّمْلِ وَأَخَذُوا يَنْظرُونَ، بَاحِثِينَ
بِأَعْيُنِهِم المسْتَطْلِعَةِ عَنِ النَّمْلَةِ ذَاتِ الأَجْنِحَةِ، وَبَحَثُوا
فِي كُلِّ مَكَانٍ حَوْلَ قَرْيَةِ النَّمْلِ وَلَكِنَّهُم لَمْ يَعْثُرُوا
عَلَيهَا.
قَالَ شَوْقِي:
- نَمْلَةٌ ذَاتُ
أَجْنِحَةٍ.. ! إِذَنْ هِيَ تَطِيرُ.. هَذَا غَيْرُ مَعْقُولٍ ؟ هَلْ رَأَيْتُمْ
مِنْ قَبْلُ نملةً تَطِيرُ..؟
وَقَالَ فَاتِحٌ:
- رُبَّما رَأَى مُحسِنٌ نَحْلَةً،
فَظَنَّهَا نَمْلَةً (ههههههه)..
وَبَدَأَ يَضْحَكُ..!
وَقَالَ عَلَاءٌ:
- دَعُونَا مِنْ عَبَثِ
مُحْسِنٍ.. إِنَّهُ يَسْخَرُ مِنَّا، هَيَّا بِنَا لِنُكْمِلَ اللَّعِبَ..
وَتَفَرَّقَ الْأَوْلَادُ
وَتَرَكُوا مُحْسِنًا وَحْدَهُ وَقَدْ أَحَسَّ بِالحَرَجِ وَالْغَيظِ الشَّدِيدِ،
نَظَرَ مِنْ حَوْلِ (بَيْتِ النَّمْلِ) فرَأَى النَّمْلَ يَسِيرُ فِي صُفُوفٍ
مُنْتَظَمَةٍ، مُسْتَقِيمَةٍ أَحْيَانًا وَمُتَعَرِّجَةٍ أَحْيَانًا أُخْرَى،
نَمْلٌ صَغِيرٌ كُلُّهُ وَلَكِنْ بِغَيْرِ أَجْنِحَةٍ..
أَصَرَّ عَلَى أَنْ
يَجِدَ (النَّمْلَةَ ذَاتِ الأَجْنِحَةِ)، وَبِغَضَبٍ شَدِيدٍ بَدَأَ يَهْدِمُ
بَيْتَ النَّمْلَةِ وَيَسْتَخْرِجُ مَا فِيهِ، مِنْ مَأُونَةٍ وَبَيْضٍ
وَيَرَقَاتٍ صَغِيرَةٍ، حَتَّى خَرَّبَهُ تَمَامًا وَلَكِنْ لَمْ يَجِدِ النَّمْلَةَ
ذَاتِ الأَجْنِحَةِ.. فَشَعَرَ بِالحُزْنِ وَالألَمِ وَقَالَ فِي نَفْسِهِ:
" سَأَفْقِدُ ثِقَةَ
أَصْدِقَائِي فَلَنْ يُصَدِّقُونِي بَعْدَ اليَومِ، وَلَنْ أَتَمَكَّنَ مِنْ
اللَّعِبِ مَعَهُم مُجَدَّدًا، سحقًا للنَّمْلَةِ ذَاتِ الأَجْنِحَةِ.."
وَفَجْأَةً شَعَرَ
مُحْسِنٌ بِأَلَمٍ شَدِيدٍ فِي سَاقِهِ، فَكَشَفَ عَنْه فَوَجَدَ إِحْدَى
النَّمْلَاتِ تَغْرِزُ فَكَّيْهَا فِي لَحْمِهِ، وَلَا تَتركُهُ أَبَدًا فَصَرَخَ
بشِدَّةٍ وَهُوَ يَقْفِزُ هُنَا وَهُنَاكَ:
"آي.. آي..
آي.."
وَفِي هَذِهِ الأَثْنَاءِ
مَرَّ بِهِ جَارُهُم إِبْرَاهِيمُ الَّذِي يَدْرُسُ فِي الجَامِعَةِ، وَرَآهُ
قَلِقًا غَاضِبًا يَرْفِسُ بَيْتَ النَّمْلِ بِرِجْلَيهِ فَسَأَلَهُ:
- مَا بِكَ يَا
مُحْسِنٌ..؟
فَأَخْبَرَهُ مُحْسِنٌ
بِمَا حَدَثَ فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ وَهُوَ يَبْتَسِمُ:
- وَمَا ذَنْبُ النَّمْلِ
حَتَّى تَقْتُلَهُم هَكَذَا وتَهْدِمَ بَيْتَهُم..؟ لَقَدْ أَخْطَأْتَ يَا
ُمُحْسِنٌ.. لَقَدْ أَخْطَأْتَ لِمَ تَهْدِمُ بَيْتَ النَّمْلِ وَتُؤْذِي هَذِهِ
المخْلُوقَاتِ اللَّطِيفَةَ..؟! لَو أَنَّكَ صَبِرْتَ قَلِيلًا لَرَأَيْتَ
النَّمْلَةَ ذَاتِ الأَجْنِحَةِ تَخْرُجُ مَرَّةً أُخْرَى، ثُمَّ تُمْسِكَهَا
بِلُطْفٍ وَتُرِيهَا لِأَصْدِقَائِكَ..!
فَهَتَفَ مُحْسِنٌ
بِفَرَحٍ:
- إِذَنْ أَنْتَ
تُصَدِّقُنِي..؟ هُنَاكَ نَمْلَةٌ ذَاتُ أَجْنِحَةٍ حَقًّا.. وَأَنَا لَا
أَتَخَيَّلُ؟
فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ:
أَجَلْ، أَجَلْ، هُنَاكَ
النَّمْلُ المُجَنَّحُ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ النَّمْلِ وَلَكِنَّهُ لَا يَطِيرُ..
فَقَالَ لَهُ مُحْسِنٌ
بِفَرَحٍ:
- اِصْبِرْ مَعِي
قَلِيلًا يَا إِبْرَاهِيمُ حَتَّى أُنَادِي عَلَى أَصْدِقَائْي وَتُخْبِرَهُم
بِالحَقِيقَةِ.
وَذَهَبَ يَعْدُو
إِلَيهِم، وَطَلَبَ مِنْهُم المجِيءَ لِيَسْمَعُوا مَا يَقُولُهُ إِبْرَاهِيمُ،
وأَتَوا كُلُّهُم يَجْرُونَ وَقَدْ تَشَوَّقُوا لِسَمَاعِ مَا يَقُولُهُ
إِبْرَاهِيمُ..
قَالَ إِبْرَاهِيمُ:
"إنَّ النَّمْلَ
خَلْقٌ مِنَ مخْلُوقَاتِ اللهِ اللَّطِيفَةِ والجَمِيلَةِ، تَعْمَلُ بِجِدٍّ وَاجْتِهَادٍ
لِتَحْيَ فِي رَاحَةٍ وسَلَامٍ، وهِيَ لَا تُؤْذِي أَحَدًا وَقَدْ تَحَدَّثَ
عَنْهَا القُرْآنُ الكَرِيمُ وَسمَّى سُورَةً كَامِلَةً بِاسْمِهَا؛ هِيَ سُورَةُ
(النَّمْل)، قَالَ الله تَعَالَى فِي هِذِهِ السُّورَةِ يَروِي لَنَا قِصَّةَ
نَبِيّ اللهِ سُلَيْمَانَ عِنْدَمَا مَرَّ بِجَيْشِهِ قُرْبَ وَادِي النَّمْلِ:
﴿حَتَّى إِذَا أَتَوْا
عَلَى وَادِي النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا
مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾
قَالَ مُحْسِنٌ فِي تَعَجُّبٍ
وَاسْتِغْرَابٍ:
- وَهَلْ يَتَكَلَّمُ النَّمْلُ
أَيضًا يَا إِبْرَاهِيمُ..؟!
فَأَجَابَه إِبْرَاهِيمُ
وَهُوَ يَبْتَسِمُ:
- أَجَلْ، أَجَلْ.. يَا
ُمُحْسِنٌ.. النَّمْلُ يَتَكَلَّمُ وَيَسْمَعُ وَيَفْهَمُ.. وَيُسَبِّحُ اللهَ
أَيْضًا.
قَالَ الأَطْفَالُ
المتَحَلِّقُونَ حَوْلَ إِبْرَاهِيمَ فِي اسْتِغْرَابٍ:
- هَذَا أَمْرٌ عَجِيبٌ
كَيفَ يَكُونُ ذَلِكَ..؟
قَالَ إِبْرَاهِيمُ:
لَقَدْ أَخْبَرَنَا
القُرْآنُ الكَرِيمُ مُنْذُ مِئَاتِ السِّنِينَ أَنَّ النَّمْلَ يَتَكَلَّمُ
فَقَالَ:
"قَالَتْ نَمْلَةٌ
يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ"
وَاكْتَشَفَ العُلُمَاءُ
فِي عَصْرَنَا هَذَا أَنَّ لِلنَّمْلِ لُغَتَينِ يَتَكَلَّمُ بِهِمَا:
- لُغَةٌ رَاقِصَةٌ
تَعْتَمِدُ عَلَى حَركَاتِ الجِسْمِ، إِذْ تَتَحَرَّكُ النَّمْلَةُ يَمِينًا
وَشِمَالاً، وَتَدُورُ حَوْلَ نَفْسِهَا عِدَّةَ دَوْرَاتٍ فَيَفَهَمُ عَنْهَا
بَقِيَّةُ النَّمْلِ مَا تُرِيدُ أَنْ تَقُولَهُ.
فَقَالَ مُحْسِنٌ:
- وَمَا هْيَ اللُّغَةُ
الثَّانِيَةُ..؟
فَأَجَابَهُ
إِبْرَاهِيمُ:
- إِنَّهَا لُغَةٌ
سَائِلَةٌ (وَرَسَمَ عَلَى وَجْهِهِ اِبْتِسَامَةً لَطِيفَةً)..
فَقَالَ الأَطْفَالُ
جَمِيعًا وَبِصَوتٍ وَاحِدٍ:
- لُغَةٌ سَائِلَةٌ..؟
كَيفَ ذَلِكَ..؟
فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ
إِنَّهَا تُفْرِزُ مَنْ فَمِهَا سَائِلًا تَتْركُهُ فِي طَرِيقِهَا أَثنَاءَ
سَيْرِهَا، لَهُ رَائِحَةٌ مُمَيَّزَةٌ فَيَتْبَعُهَا النَّمْلُ وَيَعْرِفُونَ
بِهَا مَكَانَ الطَّعَامِ أَوْ الخَطَرِ فَيَسْتَعِدُّونً لِلْأَمْرِ.. فَعَجِبَ
الأَوْلَادُ لِهَذَا الأمْرِ وَاشتَاقُوا لمَعْرِفَةِ المَزِيدِ عَنْ عَالَمِ
النَّمْلِ، فوعدهم إِبْرَاهِيمُ أَنْ يُحْضِرَ لَهُم كِتَابًا مُصَوَّرًا
يَتَحَدَّثُ عَنْ النَّمْلِ وَحَيَاتِهِ المدْهِشَةِ..
وَهُنَا صَرَخَ أَحَدُ
الأَطْفَالِ:
- صَدَقْتَ يَا مُحْسِنٌ..
صَدَقْتَ.. هَا هِيَ النَّمْلَةُ ذَاتُ الأَجْنِحَةِ تَخْرُجُ مِنْ بَينِ
التُّرَابِ، اُنْظُرُوا اُنْظُرُوا..
نَظَرُوا جَمِيعًا
فَرَأَوِا النَّمْلَةَ تَنْفُضُ جَنَاحَيهَا، وَهِيَ تُحَاوِلُ اسْتِعَادَةَ
قُوَّتِهَا، ثُمَّ لَحِقَتْ بِهَا بَقِيَّةُ النَّمْلِ اسْتِعْدَادًا لِبِنَاءِ
بَيْتِ جَدِيدٍ..
تابعونا على الفيس بوك
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
قصص للأطفال وحكايات معبّرة
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق