مُنذ أقل من مائة وخمسين سنة، في حانوت صانع سروج، جلس ولدٌ
صغيرٌ عُمره ثلاث سنوات يراقب والده يشق الجلد السميك إلى أشرطة طويلة بسكّينه
الحاد، وكان يُعجب بقوّة والده في هذه العملية، وأراد أن يقلّده.
وبما أن السكين لم تكن في متناول يده، فقد استعاض عنها
بالمخرز، وجد قطعة جلد قديمة فأمسك بها وحاول أن يثقبها بالمخرز من أسفل إلى أعلى كما
كان يفعل أبوه.
كان الجلد قاسياً وكانت قوّة الولد محدودة، لكّنه أخذ يضغط
بالمخرز بكل قوّته، وفجأة أفلت الجلد منه واتجه المخرز نحو عين الغلام ودخل فيها.
سمع والداه صراخه، فأتيا وحملاه إلى الطبيب، لكن الطبيب أكّد
لهما أنَّ العين فُقدت وأنَّ الأخرى ستُفقد حتماً، وهكذا كان...
كانت السنوات التي تلت هذا الحادث سنوات قاتمة على الغلام
المسكين، لم يكن من السهل أن يعيش في ظلام دائم، كانت له تعزية واحدة، إذ وعده
أبوه أنّه حالما يبلغ السن المطلوب، سيدخل مدرسة العميان.
جاء اليوم أخيراً والتحق "لويس برايل" بمدرسة
العميان في باريس، وانتهت أيامه المُظلمة، فقد برهن في المدرسة على أنه طالب نبيه
مُجتهد، فاستطاع في وقتٍ قصير أن يقرأ الحروف القائمة التي كانت مستعملة في ذلك
الوقت للعميان، كذلك ظهر أنه يملك موهبةً فذّة في الموسيقى، وعندما بلغ الخامسة
عشرة نبغ في الموسيقى، حتى أنه استطاع بكل سهولة أن يحصل على وظيفة عازف في إحدى
كنائس باريس، كذلك خطا خطوات واسعة في الرياضيات والجغرافيا والجبر وغيرها، حتى
أنه عُيّن أستاذًا في المدرسة التي دخلها منذ سبع سنوات، وهكذا ضَمِنَ مستقبله
المجيد الناجح.
على أنَّ طموح برايل لم يقف عند هذا الحد، فقد دفعه عمله
المدرسي إلى الشعور بالحاجة إلى طريقة أبسط لتعليم العميان، كان عددٌ قليل من
طلبته العميان يملكون الكفاية للتعلّم، إذ كان معظمهم يستصعب قراءة الحروف القائمة.
عمل برايل بصبر كبير وحاول اكتشاف طريقة أبسط للقراءة
والكتابة للعميان، تذكّر أنّه عندما عجز، وهو طفل، عن إدخال المخرز في الجلد فإنّ
رأس المخرز استطاع أن يُبرز نقطة في الجانب الآخر منه، لذا عاد إلى المخرز والجلد
لا ليلعب بهما بل ليقوم بعمل في غاية الأهمّية، فقد عمل لساعات طويلة يرسم بالمخرز
والجلد هذه النقط في مجموعات غريبة.
وهكذا اخترع مجموعات صغيرة من النقط تقوم مقام الحروف الأبجدية،
وشكّل النقط في مجموعات تدل على مقاطع وكلمات صغيرة، وهكذا استطاع بالتدريج أن
يخترع لغة للعميان تمكّن تلاميذه من سرعة الكتابة وسهولتها.
كان عمر لويس برايل آنذاك 21 سنة فقط، وكانت طريقته بالطبع فيها الكثير
من النقائض، لكن الناس أدركوا أن ذاك الأستاذ الأعمى قدّم لزملائه العميان خدمة لا
تُقدّر.
تابعونا على الفيس بوك
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
قصص للأطفال وحكايات معبّرة
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق