كان
الجمل الهرم يستريح في بقعة جرداء خالية إلا من بعض الآثار القديمة وهو يطلق
أصواتاً كأنها
الأنين أو النواح. سمعه الصغار الذين خرجوا في رحلة للتعرف على الأثار، تقدموا
منه وهو يبرك على الأرض فداعبوه ولمسوا وبره الناعم، وتأملوا ملامحه الضخمة وهو
هادئ وديع ينظر إليهم بعينيه الواسعتين ويمضغ شيئاً دون
أن يكون أمامه طعام ما.
قال لهم: هل تريدون أن أقوم
لكم بجولة في هذا المكان؟ حسناً... ليركب من يريد منكم فوق ظهري ثم بعد ذلك انهض. ألا ترون كم أنا عال وضخم
إذا وقفت؟
قال الصغار: لا... لقد قمنا بجولتنا وانتهينا، نحن نحب الركض والتسابق ولا نتعب. ألسنا صغاراً؟ ثم إن الحركة والنشاط عنوان الحياة.
سُرَّ الجمل بما سمع، ثم أطرق بصمت وكأنه يفكر تفكيراً
عميقاً.
قالت هدى: بماذا تفكر أيها الجمل الوديع الصبور، ثم قفزت
فوق ظهره وقالت: ولماذا لك هذا النتوء في ظهرك دون كل الحيوانات.
هز الجمل برأسه وقال: هذا سنام... اسمه سنام. ألا تعرفين.
قالت هدى: أعرف... لكنني استغرب ذلك.
قال الجمل: سأروي لك الحكاية، إنها حكاية أو خرافة وليست قصة. يقولون إن الجد الأول
للجمال، أو أول جد لها لم يكن له سنام... كان كسولاً.. وكان يقضي
وقته كله بين الطعام والنوم، ولا يؤذي أحداً ولا يؤذيه أحد لأنه ضخم الجثة يخافون من
منظره فيهربون، حتى مر به ذات مرة قطيع من الغنم فقالوا له: ما نفعك أنت أيها الحيوان؟ أنت لا تقدم
لحمك ولا لبنك للناس، ولا تنفعهم في شيء، بل على العكس تتناول هذه الحشائش الطرية بكميات ضخمة
وتحرم بقية حيوانات المرعى منها.
فلم يهتم بما قالت الأغنام، وقال: أتركوني... اتركوني سأنام. ومرت أمامه البغال والحمير والخيول فقالت: ماذا تفعل أيها
الحيوان الكسول؟ لا شيء.. انظر إلينا ونحن نحمل
الأثقال، ونجر العربات، ونقطع المسافات... هيا كن نشيطاً مثلنا.
قال: اتركوني... اتركوني سأنام.
ومرت قطعان الماعز تتقافز مسرعة نحو المرتفعات والجبال
فقالت له: ألا تقدم شيئاً ينفع أيها المخلوق الكبير، نحن نقدم إضافة إلى اللبن... الجلود والشعر بأنواعه وألوانه
لتصنع منه الثياب والخيام، ثم انصرفت عنه مسرعة وهو يقول: اتركوني سأنام... سأنام.
وهكذا ظل الجمل الجد كسولاً بليداً لا يأبه به أحد... ولا
يحبه أحد حتى ضجر وأصبحت حياته لا تطاق، فطلب من ملاك الرحمة أن يصبح أفضل المخلوقات وأنفعها
للإنسان، وأكثرها وداعة وطاعة.
فقال له الملاك: سيكون لك ما طلبت بشرط واحد هو أن أجعل فوق
ظهرك هذا السنام حتى تتذكر لو اردت أن تنام.
وهكذا أيها الصغار، فإن السنام هو اختصار من كلمة (سأنام)،
ثم إنني أصبحت كالأغنام أقدم لبني ولحمي للطعام، وكالخيول
أقطع المسافات ولا أبالي بالصحارى ذات الطول... وكذلك كالماعز أقدم
الوبر والجلد والأشعار لكل من يطلب الثوب أو الخيمة أو الدثار، أما هذا السنام...
فهو مخزني أخبئ فيه الطعام.
سُرَّ الصغار بما سمعوا... وأحبوا الجمل أكثر وأكثر... لأنه
أقدم الحيوانات على وجه الأرض، وهو الأنفع والأكبر.
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
قصص للأطفال وحكايات معبّرة
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق