- يا خارجة..
لقد طُلقت أمك للمرة العشرين فاذهب وعد بها إلى قومك، وكفى ما لاكته العرب من
سيرتها.
ركب «خارجة»
ناقته وسار عبر الصحراء، إلى مضارب بني بكر حيث سكنت أمه مع آخر الأزواج. عشرون
زواجاً وطلاقاً جربتها أمه، لم يشهد عشرة منها، لأنها حدثت قبل أن يولد، وخمسة
منها حدثت وهو مازال طفلا لا يعي ماذا يعني تغير وجوه الرجال الذين يطأون فراشها،
وأحس فقط بالإهانة والمرارة التي ولدتها الزيجات الخمس الأخيرة، كانت الأم «عمرة
بنت سعيد»، أسرع امرأة تتزوج، وأسرعهن إلى الطلاق أيضا، ورغم ذلك لم ينضب معينها
من الرجال أبدا، كان الرجل يأتيها راكبا ناقته، متلمسا طريقه إليها ويقول لها مترددا
وهو مازال فوق الناقة: خطب، فتقول له بسرعة: نكح، يقول: انزل، فتقول: أنخ.
تزوجت الكثيرين
حتى أنها لم تكن تدعهم يذكرون قائمة أنسابهم إلى آخرها، في هذه الصحراء القاحلة لم
يكن ينبت بشكل جيد سوى الرجال، يخورون على فراشها كالإبل الشاردة، ويبقونها ساهرة
طوال الليل، لكل واحد منهم مذاق مختلف، ولا يغني أيا منهم عن القبول بآخر، ملأوا
بطنها بأولاد وأنساب مختلفة، الديل والليث والحارث وبني خزاعة وعبد مناة، لم تكن
بطنها تعرف الكلل، ولم تترك لولدها «خارجة» - الوحيد الذي ظل يتبعها - إلا مزيدا
من المرارة والحنق، في كل مكان يذهب إليه كان يفاجأ بواحد من أزواجها السابقين،
رجال لم يرهم من قبل حدثوها عن تفاصيلها اللعينة معهم، قال له أحدهم: إنها ترضي
الرجل بكثرة الضوضاء التي تصدر عنها، وقال ثان: إنها رطبة في أشد الأيام جفافا،
وأكد ثالث: إنها تبتكر من الأوضاع ما لم تعهده العرب من قبل، كلهم كانوا يسعون
إليها بجوع وحماس لم يخفف منه تقدمها في السن، كأنها نوع من التحدي، عليهم أن
يخوضوه ليؤكدوا رجولتهم، بل إن بعضهم وسطه للزواج بها مرة أخرى، وبالرغم من أنها
كانت تقبل الجميع فلم تكرر الرجل.
عندما وصل إلى
ديار «بني بكر» أخذوا يتغامزون ويتهامسون وهم يشيرون إليه، لم يبال آخر الأزواج
حتى بمقابلته، دلوه فقط على مكانها في خيمة بعيدة عن الحي، كان تعيسا بوجود هذه
المرأة في حياته، يتمنى أن يمتلك تلك اللامبالاة التي يحس بها بقية أخوته حيالها،
وجدها راقدة داخل الخيمة مشعثة الشعر ممزقة الثياب، تحملت مهانة الزواج المتأخر،
انحنى عليها وهو يحاول أن يساعدها على النهوض تأوهت رفعت عينيها إليه وقالت في
حزن:
- يالضعة
الرجال يا ولدى، يقسون علي بأيديهم، ويبخلون بما ميزهم الله به.
فهم ماذا تعني،
فأوشك أن يبكى، هتف بها متمنياً:
- ليتها تكون
المرة الأخيرة يا أمي.
كان من الواضح
أن جسدها قد أهين لدرجة لا تسمح لها بالتفكير في الزواج ثانية، وهو أفضل ما في هذا
الوضع التعس، رفعها بين ذراعيه وأجلسها فوق الجمل، قاده بعيدا، لم يرد أن يمكث في
بني بكر لحظة زائدة، وأخذ الجمل يخب سريعا، لا يتوقف للراحة، ومر يومان من السير
المتواصل، وفجأة هتفت الأم به:
- توقف يا
ولدى.
التفت إليها
مندهشاً، كانت تتطلع شاخصة إلى حافة الأفق وهى تقول:
- انظر هذا
القادم من بعيد، رجل يسعى خلفنا، هذا خاطب لي بلا شك، أتراه يمهلني حتى أنزل من
على بعيري؟
شق ابنها ثوبه
من شدة الغيظ، دفعها من فوق الجمل وهو يهتف:
- انتظريه وحدك
إذن.
تركها وسط
الصحراء ومضى، لم تبال به، كانت تنتظر الزوج الواحد والعشرين ليأخذ بيدها، كان
يقترب ببطء، وقبل أن يصل سمعت صوت لهاثه وشمت رائحته، فركت عينيها لتتأكد من
طلعته، لم يكن خاطباً، كان ذئباً جائعاً.
تابعونا
على الفيس بوك وتويتر
مواضيع تهم
الطلاب والمربين والأهالي
قصص للأطفال
وحكايات معبّرة
إقرأ أيضًا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق