الصفحات

الجمعة، 15 نوفمبر 2013

• قصة للأطفال: صوت البحيرة

عَلـقْتُ ثِيَابِيْ عَلَى الشَّجَرَةِ، البُحَيْرَةُ تُنَادِيْنِيْ، هَا أَنَا قَادِمٌ إِلَيْكِ، رَكَضْتُ بِسُرْعَةٍ فَوْقَ الرَّمْلِ. هُووووب.. غَطَسْتُ فَي المِيَاهِ، آهٍ، إِنَّهَا بَارِدَةٌ، الوقْتُ لايَزَالُ رَبِيْعَاً، لَكِنَّنِيْ أُحِبُّ السِّبَاحَةَ..

أَيْنَ أَنْتِ أَيَّتُهَا الأَسْمَاكُ؟ تَعَالَيْ لِنَلْعَبَ مَعاً، وَحْدِيْ أَنَا فِي هَذِهِ البُحَيْرَةِ الجَمِيْلَةِ، أَسْتَمْتِعُ بِالمِيَاهِ، وَجَمَالِ المَنَاظِرِ. يَبْدُو أَنَّنِيْ وَصَلْتُ إِلَى مَكَانٍ عَمِيْقٍ، شَعَرْتُ بِالخَطَرِ، إِنْ حَدَثَ لِيْ مَكْرُوهٌ، فَلا أَحَدَ يُنْقِذُنِيْ، خَرَجْتُ مِنَ المِيَاهِ بِسُرْعَةٍ. مَاذَا أَفْعَلُ؟ ثِيَابِيَ الداخِلِيةُ مُبَلَلَةٌ، سَتَكْتَشِفُ أُمِّيْ أَنَّنِيْ سَبَحْتُ فِي البُحَيْرَةِ، يَا للْمُشْكِلَةِ!
رَكَضْتُ بِسُرْعَةٍ إِلَى البَيْتِ، عِنْدَمَا اقْتَرَبْتُ مِنْهُ، أَمْسَكْتُ بِحَصَاةٍ صَغِيْرَةٍ، وَقَذَفْتُهَا عَلَى نَافِذَةِ غُرْفَةِ أُخْتِيْ، أَطَلـَّتْ «زَيْنَةُ»، مُشِيْرَةً بِيَدِهَا، مَا الأمْرُ؟
قُلْتُ افْتَحِي البَابَ بِسُرْعَةٍ، دَخَلْتُ البَيْتَ عَلَى عَجَلٍ، سِرْتُ عَلَى رُؤوُسِ أَصَابِعِ قَدَمَيّ، كَيْ لا أُثِيْرَ انْتِبَاهَ أُمِّيْ، بَدّلْتُ ثِيَابِيْ، وأَعْطَيْتُهَا لأُخْتِيْ لِتَضَعَهَا فِي السلة.
ابْتَسَمَتْ زَيْنَةُ قَائِلَةً:  سَأَنْشُرُهَا لِتَجِفَّ، وإِلا أَصَابَهَا العَفَنُ.
قُلْتُ: لا يُمْكِنُ ذَلِكَ، فَأُمِّيْ سَتَكْتَشِفُ أَنَّنِيْ كُنْتُ أَسْبَحُ فِي البُحَيْرَةِ، لَمْ  أَكَدْ أَنْتَهِي مِنْ جُمْلَتِيْ،  حَتَّى دَخَلَتْ أُمِّيْ عَلَيْنَا، مَا إِنْ نَظَرَتْ إِلَى الثِّيَابِ، حَتَّى قَالَتْ بِصَوْتٍ مُنْخَفِضٍ، وَهِيَ تَحْبِسُ غَضَبَهَا:
رَامِزُ! كَمْ مَرَّة قُلْتُ لَكَ أَلا تَذْهَبَ إِلَى البُحَيْرَةِ؟! أَنْتَ وَلَدٌ عَنِيْدٌ، فَلا بُدّ مِنْ عِقَابِكَ.
قُلْتُ: أُمِّيْ سَامِحِيْنِيْ، إِنَّهَا آخِرُ مَرَّةٍ، أَعِدُكِ بِذَلِكَ. لَكِنـَّهَا تَابَعَتْ قَائِلَةً: كَمْ مَرَّةٍ وَعَدْتَنِيْ، وَأَخْلَفْتَ بِوَعْدِكَ؟! كُنْتَ تَذْهَبُ مَعَ رِفَاقِكِ للسِّبَاحَةِ، وَتُوْصِيْ إِخْوَتَكَ بِأَلاَّ يُخْبِرُوا أَحَداً، وَعِنْدَمَا تَعُوْدُ، كُنْتَ تُبَرِّرُ غِيَابَكَ بِحُجَجٍ غَيْرِ مُقْنِعَةٍ. الآنَ، سَأَقُفلُ عَلَيْكَ البَابَ، وَأَحْرِمُكَ مِنْ بَرَامِجِ الأَطْفَالِ، وَكُلِّ شَيْءٍ تُحِبُّهُ. هَيّا بِنَا، يَا زَيْنَةُ.
لَحْظَةَ سَمِعْتُ اسْتِدَارَةَ المِفْتَاحِ بِالقُفْلِ، جُنّ جُنُوْنِيْ، رُحْتُ أَضْرِبُ البَابَ بِقَدَمِيْ، أَدُقـهُ بِقَبْضَتَيّ، أَصْرُخُ: افْتَحُوا البَابَ، أُرِيْدُ أَنْ أَخْرُجَ، سَمِعْتُ «زُوْزُوْ» تَبْكِيْ، وهِي تَقُوْلُ لأمِّي: سَامِحِيْهِ أَرْجُوْكِ. جَاءَنَيْ صَوْتُ أُمِّيْ: لا بُدَّ مِنْ تَأْدِيْبِهِ، لِيَحْسِبَ تَصَرفَاتِهِ جَيِّداً.
شَعَرْتُ بَأَنَّنِيْ وَحْدِيْ فِي هَذَا العَالَمِ، أَصْرُخُ، أَبْكِيْ، أَسْتَغِيْثُ  دُوْنَ أَنْ يَرُدّ عَلَيّ أَحَدٌ، ازْدَادَ طَرْقِيْ عَلَى البَابِ، أَحْسَسْتُ بِأَلَمٍ فِي يَدَيّ، وَأَصَابِعِ قَدَمِيْ، وَرَأْسِيْ.
فَجْأَة، سَبَحَتْ فِي مُخَيِّلَتِيْ بُرُوْدَةُ البُحَيْرَةِ، وَخُطُوْرَةُ أَعْمَاقِهَا، هَدّأْتُ نَفْسِيْ قَائِلاً: اهْدَأْ يَا رَامِزُ، أَنْتَ مُخْطِئٌ، أُمّكَ مُحِقـَّةٌ فِيْ عِقَابِكَ، البُحَيْرَةُ خَطِيْرَةٌ، أَطْفَالٌ كَثِيْرُوْنَ غَرِقُوا فِيْهَا، لأَنَّهُمْ غَيْرُ قَادِرِيْنَ عَلَى السِّبَاحَةِ، إِذَا غَرِقْتَ، فأُمّكَ سَتَمْرَضُ مِنَ الحُزْنِ عَلَيْكَ، أَنْتَ تُحِبُّهَا كَثِيْرَاً، وتَخْشَى عَلَيْهَا مِنَ الألَمِ والدُّمُوْعِ، لا تُؤْذِ نَفْسَكَ، اسْتَرْخِ قَلِيْلاً، اهْدَأْ، لا تَحْزَنْ، وحين تتعلمُ السباحةَ جيدًا تذهبُ إلى البحيرةِ مع أهلك وتسبحُ، وحين تكبرُ يزدادُ وعيُكَ وتصبح قادرًا على السباحةِ بمفردك...
تَوَقَّفْتُ عَنْ طَرْقِ البَابِ، هَدَأْتُ قَلِيْلاً، سِرْتُ بِخُطَوَاتٍ مُتَرَاخِيَةٍ صَوْبَ السَّرِيْرِ، اسْتَلْقَيْتُ عَلَيْهِ، شَعَرْتُ بِشَيْءٍ مِنَ الهُدُوْءِ والرَّاحَةِ، بَعْدَ قَلِيْلٍ نَظَرْتُ صَوْبَ النَّافِذَةِ، شَاهَدْتُ شَرَائِطَ حَمْرَاءَ تَتَطَايَرُ في الهَوَاءِ، ابْتَسَمْتُ، إِنَّهَا زَيْنَةُ، وأُمِّي هِيَ مَنْ رَفَعَتْهَا عَلَى كَتِفِهَا لِتَخْتَلِسَ النَّظَرَ، وَتَطْمَئِنَّ عَليّ. أَعْرِفُ ـ يَا أُمٍّيْ ـ كَمْ تُحِبِيْنَنِيْ! ويَا زَيْنَةُ كَمْ أَنْتِ رَقِيْقَةُ المَشَاعِرِ!
تابعونا على الفيس بوك
مواضيع تهم الطلاب والمربين والأهالي
قصص للأطفال وحكايات معبّرة
إقرأ أيضًا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق