قصة وحكاية: • قصة وعبرة: الحجل والصياد

في الغدر والوفاء

إن الخيانة داءٌ إذا دبّ في النفس أفسدها، وأن الغدرَ سمٌّ إذا سرى في العروق أهلكها. ومن طلب النجاة بقطع حبل المودّة، سقط في هاوية المذلّة، ومن رمى عن ظهره عهداً، رُمي عن ظهر الدنيا وِزراً وعهداً. فالوفاء زينةُ الأحرار، والغدر شينُ الأشرار؛ وما نجا غادرٌ إلا ليهلك بعد نجاةٍ هلاكاً أشدّ وأسرع.

في غابةٍ يكسوها الزمرد، ويعطّرها نسيم الورد، عاش حجلٌ ذكيّ القلب، سديد الرأي، محمود السيرة بين سكان الغابة من طيرٍ ووحش. كان مقامه بينهم مقام القمر بين النجوم، لا تنكر ضياءه عين، ولا تغفل عن حكمته أذن.

لكن المقادير لا تعرف حرمة الفطن، ولا تحفظ للذكي عهد الأمان.
ففي يومٍ من أيام الصفاء، أقبل رجلٌ يُدعى الصيّاد، يجمع رزقه من دماء الطير، ويقتات على شباك الغدر وحبال المكر. لم يلبث أن لمح الحجل بين العشب، فوثب عليه بشبكته، حتى أحاط به إحاطة السوار بالمعصم.

ارتعد الحجل حين أيقن أن المنافذ أُغلقت، وأنه في يد من لا يرحم. فلمّا همّ الصيّاد بقتله، رفع الحجل صوته متوسلاً:
"أيّها الكريم، أطلقني، أعدك أن آتيك بأمثالي من الطير، فأغنيك عن مشقة الطلب، وأمكّنك من رزقٍ بلا تعب."

فقطّب الصيّاد جبينه، وقال:
"إنك لتعرض عليّ ثمناً رخيصاً في سوق المروءة، وتكشف لي أنك تبيع أهلَك لتفتدي نفسك. فوالذي بيده حياتك، إن نفساً تخون عشيرتها، لا تَصدُق مع غريب، ومن خان بالأمس، خان اليوم وغداً. فليكن جزاؤك على قدرك."

ثم ضربه الضربة القاضية، فكان آخر ما سمع الحجل خفقة الريح قبل أن يسكن جناحه إلى الأبد.

وهكذا، كان الحجل عبرةً لمن يعتبر، إذ ظنّ أن الغدر سلّم النجاة، فإذا به سُلّم الهلاك. فالمرء إذا جعل الخيانة مركبَه، غرق قبل أن يبلغ الشاطئ، وإذا اتخذ الغدر سلاحه، طُعن به قبل أن يشهره. فاثبت على الوفاء، وإن ضاق بك المخرج، فإن في الوفاء حياةً بعد الموت، وفي الغدر موتاً قبل الحياة.

فيسبوك: https://www.facebook.com/ali.ramadan.206789

منصة أكس: https://x.com/AliRamadan54

جديدنا كتاب:

100 قصة حب من كل زمان ومكان

إقرأ أيضاً:

قصة وعبرة: فرصة نادرة

قصة وعبرة: حين يخبئ القدر وجهه الآخر

قصة ملهمة: متسوّل على رصيف المحطة

قصة وحكمة: الديك الأحمر والثعلب

قصة وحكمة: الأسد والضفدع

للمزيد

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال