الصفحات

الخميس، 6 يونيو 2024

• قصة وحكمة: كولومبوس وُلِدَ لِيُتَوَّج مَلِكاً

أنتَ من تُحَدِّد سعرَك لِنفسك

حين كان کريستوفر كولومبوس يبحث عمّن يُمَوِّلُ له رحلاته الأسطورية عبر المحيط الأطلنطي، كان الكثيرون من حوله يظنّونه من نُبلاء إيطاليا، وقد نَقَلَ ابنه هذا الاعتقاد إلى الأجيال التالية حين نَشَرَ سيرةً لوالده تَحكي أنه سَليلُ الكونت کولومبو حاکم قلعة کوکارو في مونفرات...

وأن الكونت كولومبو نفسه سليل القائد الروماني الأسطوري کولونيوس، وأنه يُرجّح أن اثنين من أبناء عمومته الأقربين يمتد أصلهما إلى إمبراطور القسطنطينية، وهي نشأة مميزة بالتأكيد لو كانت حقيقية ولكنها لم تكن أبدا كذلك. الحقيقة هي أن كولومبوس كان ابن دومنيکو کولومبو، وكان يعمل نَسّاجاً متواضعاً، ثم افتتحَ مَتجراً للخمور، وحين وَصَلَ کريستوفر إلى سِنّ الشباب بدأ يعمل في بَيْعِ الأجبان.

عَمِلَ کولومبوس بنفسه على خَلْقِ الأسطورةِ حول أَصلِهِ النبيل، لأنه كان يشعر دائماً أن الأقدارَ تَدَّخِرُ له إنجاز أعمالٍ عظيمةٍ، وأن شيئاً من الدماءِ المَلَكِيَّةِ يجري في عروقه، وبدأ بالفعل يتعاملُ وكأنه سَليلُ نبلاء، بعد أن عَمِلَ لسنواتٍ كتاجرٍ مُتَنَقِّلٍ على سفينةٍ تجارية، وهي مهنةٌ لم تُحَقِّق له أيَّ خُطوةٍ في سبيل طموحاته، انتقلَ كولومبوس إلى لِشبونة، وكان أصلاً من مدينة جَنَوَة، وبفضل قصته المُخْتَلَقَةِ عن أصله النبيل، استطاعَ أن يتزوجَ فتاةً من أُسرةٍ راسخةٍ في لشبونة، لها صلاتٌ قَوِيَّةٌ بالعائلة المَلَكِيَّةِ في البرتغال.

بمعارف أنسبائه وبالخديعة استطاع كولومبوس أن يُدَبِّرَ مقابلةً مع جياو الثاني ملك البرتغال، وطَلَبَ منه أن يُمَوِّلَ له رحلةً في اتجاه الغرب لاكتشاف طريقٍ مُخْتَصَرٍ للقارة آسيا، وفي مقابلِ أن يجعلَ كل ما يكتشفه تحت سلطة ملك البرتغال، طالَبَ بأن يُمنَحَ عدة حقوق أولها أن يُعَيَّن قائداً أعلى لأساطيل البحر المحيط، وأن يَنُوبَ عن المَلِك في حُكْمِ كل الأراضي التي يكتشفها، إضافة إلى 10 بالمائة من واردات التجارة مع هذه الأراضي المكتشفة، وأن تُوَرَّثَ هذه الحقوق لأبنائه على مر العصور. طالب کولومبوس بكل هذا رغم أنه لم يعمل قبلها أكثر من بائعٍ بسيط على سفينة تجارية، ولم يكن يعرف شيئاً عن الملاحة، ولم تكن له أي خبرة في قيادة طاقَمٍ من الرجال، باختصار أنه لم يكن لديه أي مؤهلات تُمَكِّنه من إنجاز الرحلة التي عرضها على الملك. الأدهى من ذلك أنه لم يذكر تفاصيل للكيفية التي يريد أن يحقق بها خطته المقترحة، وما طرحه لم يكن أكثر من وعود فضفاضة.

بعد أن انتهى كولومبوس من مطالبه ابتسم له جياو وَرَدَّهُ بلطفٍ، وتَرَكَ البابَ مفتوحاً للتفكير في الأمر في المستقبل. ومن المؤكد أن كولومبوس قد أدركَ حينها شيئاً لن ينساه بعدها أبداً، رغم أن الملك قد رَدَّ مطالبَه، إلا أنه اعتبرها مَطالبَ مشروعة، ولم يسخر من كولومبوس أو يَتَشَكَّك في أصله أو وثائق اعتماده. الحقيقة أن الملك كان قد انبهر بجرأة كولومبوس في طرح مطالبه، وأحبَّ التعامل مع رجلٍ لديه مثل هذه الثقة في نفسه. وقد أَكَّدَت هذه المقابلة صِدْقَ غرائزه: بأنه حين يطالب بالقمر ينال الاحترام وتعلو مكانته، لأن الملك رأى أن من يطالب بأحقيته بهذا القدر من الجرأة، إما مجنونٌ أو فعلاً يستحق ما يطلبه، ولم يكن يبدو على كولومبوس أي علامات على الجنون.

بعد سنواتٍ قليلة انتقل کولومبوس إلى إسبانيا، وبفضل معارفه في البرتغال استطاع أن يصل إلى الدوائر العليا في البلاط الملكي الإسباني وحصل على إعانات من ممولين كبار، وحل ضيفاً على موائد الأدواق والأمراء. وكان يكرر لدى هؤلاء جميعاً طلبه بتمويل رحلةٍ باتجاه الغرب، إضافة إلى الاستحقاقات الأخرى التي طلبها من جياو الثاني. كان بعض رجال الصَّفوة يرغبُ حقاً في مساعدته مثل دوق مدينا، لكن كان يعوزهم المال والقدرة على منحه المناصب التي يطلبها. لكن كولومبوس لم يتراجع وأدرك أنه لا يوجد سوى شخص واحد يستطيع أن يساعده ويحقق له مطالبه: الملكة إيزابيلا. وفي عام 1487 استطاع أن يُدَبِّرَ مقابلةً مع الملكة، وعلى الرغم من أنه لم ينجح في إقناعها بتمويل رحلته إلا أنه استطاع أن ينال إعجابها وأن يَتَرَدَّدَ كثيراً على قصرها.

في عام 1492 استطاع الإسبان أخيراً أن يُخرجوا المسلمين من المناطق التي حکموها لعدة قرون، وأزاحوا عن كاهلهم ميزانيات الحرب، ورأت إيزابيلا أنها تستطيع أخيراً أن تُحقق مطالب صديقها المُسْتَكْشِف، وقَرَّرَتْ أن تدفع ثمن ثلاث سفن بمعداتها ورواتب طواقمها مع راتب متواضع لكولومبوس. الأهم أنها أبرمت عقداً يمنح كولومبوس الألقاب والحقوق التي أصرَّ عليها، واستثنت من العقد النهائي مطالبه بالحصول على 10 بالمائة من عائدات البلاد التي سوف تكتشف وخاصة أنه كان مطلباً مفتوحاً لا يتحدد بزمن (ولو لم يتم حذف هذا المطلب لأصبح كولومبوس وورثته أغني العائلات على وجه الأرض، ولكن كولومبوس لم يقرأ أبدا العقد النهائي).

بعد أن رأى کولمبوس أن مطالبَه قد تَحَقَّقَتْ، بدأ في نفس العام الإبحار بحثاً عن الطريق المختصر إلى آسيا (دون أن يغفل عن تعيين أفضل بحار في عصره ليساعده في الملاحة عبر المحيط). لم تستطع الرحلة أن تجد طريقها، ولكن حين أعاد كولومبوس طلبَه على الملكة لتمويل رحلة أخرى في العام التالي، وكانت هذه المرة أكثر طموحاً وكلفةً، وافَقَت الملكةُ دون تَرَدُّدٍ لأنها أصبحت ترى في كولومبوس بالفعل رجل الأعمال العظيمة.

المصدر: THE 48 LAWS OF POWER, ROBERT GREEN (ترجمة د. هشام الحناوي)

إقرأ أيضاً:

قصة للأطفال: ثياب الامبراطور الجديدة

قصة للأطفال: سندريلا: قصة سندريلا السحرية

قصة وحكمة: تَصَرَّف كملك تُعامَل كملك

قصة للأطفال: خطة لُبنى

قصة للأطفال: بياض الثلج والأقزام السبعة

للمزيد             

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق