الصفحات

السبت، 1 يونيو 2024

• قصة للأطفال: خطّة لُبنى

البراءة

يسألني أصدقاء أبي: هل تذهبين إلى المدرسة يا لبنى؟

أُجيب: أنا في روضة الأطفال... سنة أولى!

وتصطحبني أمي معها، أحياناً، إلى مكتبها، تسألني زميلتها: ماذا تأخذين في الروضة يا لبنى؟

أُجيب: يعطوننا، عند الظهر، قطعاً من الحلوى!

وتضحكُ أمي وزميلتها، توضحان لي السؤال: ماذا تُعَلِّمُك مُدَرِّسَتُك؟!

أشرح لهما: إننا لانزال صغاراً، الدروس والعلوم للكبار، أما نحن، فنُغَنّي ونلعب!

تُعَلِّمُنا المعلمةُ كيف نغني مع الأنغام التي تعزفها على البيانو. هي ماهرة جداً، وتُعجبني أصابعها وهي تقفز فوق أصابع البيانو البيضاء والسوداء، أظلُّ أُراقبُ أَصابعَها فأسهو وأخرج عن نظام الغناء، يتوقف الأطفال، بينما أكون أنا لاأزال أُغني، وعيناي تتابعان أصابع المعلمة التي أحبها كثيراً، ومع ذلك، فإنها تتوقف عن العزف، وتصيحُ غاضبةً مني:

- استيقظي يا لُبنى!

ويَتَكَرَّرُ غضبُها عليّ، للسبب نفسه، فأنا لا أستطيع أن أُبعد عينيَّ عن حركة أصابعها الرشيقة فوق مفاتيح البيانو. وحين تغضبُ أكثر، تَقَرِّرُ معاقبتي: أنت محرومةٌ من زيارة الحديقة!

أَحزَنُ، لأنني لن أكون بِصُحبَتِها، لا يكون حزني بسبب عدم زيارة الحديقة، فأنا أزور مع والديّ حدائق كثيرة. ثم إنني أتعب من المشي الكثير، والأولاد والبنات يسيرون بسرعة، وأظل أنا ألهثُ خلفهم، فلا أسعد برؤية الزهور، ولا باللعب على العشب الأخضر، فهم يتصارعون على الكرة، وأنا لا أميل إلى الخشونة ولا أحب العنف.

أبقى وحدي في حجرة الروضة، أُفكر في خُطَّة، نعم خُطَّة. إن الأولاد والبنات يقفزون في خفة وسرعة إلى خزانة اللعب، فور أن تعلن المعلمة بداية وقت اللعب.

يختارون اللُّعَبَ التي يحبونها، ولا يتركون سوى اللعب القديمة، والتالفة. وحين أصل إلى الخزانة، لا أجد دميةً واحدة من تلك الدمى الكبيرة الجميلة التي أحب أن أحملها بين يديّ وأتحدث معها عن البيت والروضة، وتخبرني هي بأنها - مثلي - تعجبها أصابع المعلمة وهي تعزف، وتتمنى أن تكون ماهرة مثلها في العزف على البيانو. فكيف أُنَفِّذُ خطتي؟ سأجلس في مقعد قريب جداً من الخزانة. وسأجعل أُذنيّ مستعدتين لسماع إشارة المعلمة ببداية وقت اللعب. لن أسرح، وسأكون أول مَن يقف أمام الخزانة ويمد يديه ليختطف اللعبة التي يحبها. سرعان ما يعودون من الحديقة، ويبدأ وقت اللعب، وأسعد بلقاء دميتي ذات الرداء الأحمر ورباط الشعر الزجاجي المكوّر.

عادت المعلمة ومعها الأولاد والبنات، نظرت إلى المقاعد والموائد، سأَلَت: من رتّب الحجرة بهذا الشكل الجميل؟ صحتُ: أنا! التَفَتَتْ إليّ مندهشة، وصاحت هي أيضاً: رائعة يا لبنى! وتَحَدَّثَتْ إلى الأطفال: انظروا يا أصدقائي، لقد قدَّمَتْ لنا لبنى درساً جميلا، إنها لم تغضب من العقاب، والأكثر من ذلك، استغلت وجودها وحدها بالحجرة، فأعادت ترتيب محتوياتها!

وعادت تلتفتُ إليّ: تستحقين التَّحِيَّةَ يا لبنى... لِنُصَفِّقْ لها!

وكنت سعيدة، طبعاً، بهذا التقدير، ولكني لم أكفّ عن التفكير في خطتي، وحمدت الله لأن الولد الذي احتللت مقعده القريب من خزانة اللعب لم يطالب بمقعده، وجلستُ استمع إلى المعلمة وهي تحدثنا عن الزهور فلم أفهم شيئا من كلامها، لأنني كنت مشغولة بالتفكير في خطتي، وأنتظر أن ينتهي درس الزهور، لأكون أنا أول من يلتقط إشارة المعلمة بالهجوم على خزانة اللعب!

هاهو الدرس ينتهي، وهاهي المدرسة، كعادتها عندما تبدأ معنا شيئاً جديداً، تلصق كفيها ببعضهما، وتتحدث ببطء، والآن..

ولم أنتظر بقية الإشارة، وفي قفزة واحدة، كنت أقف أمام الخزانة، أفتحها، وأشد اللعب، بحثاً عن الدُّمية ذات الفستان الأحمر، فتندفع محتويات الخزانة كلها، تتساقط فوقي. وأنظر حولي، فأجد المعلمة تنظر إليّ في انزعاج شديد وأنا غارقة وسط كومة من اللعب، والأطفال يضحكون، ضربت المعلمة كفا بكف. سألتني: ماذا فعلت يا لُبنى؟! منذ قليل كنا نصفق لك... ثم أَفسَدَتْ كلَّ شيء!

حاولتُ أن أُوَضِّحَ لها: كنت أريد أن أحصل على لعبة، لم يكن يتبقى لي شيء ألعب به حين يبدأ وقت اللعب!

قالت المعلمة: ومن قال لك إننا كنا سنلعب في الحجرة، كنا سنخرج لساحة الألعاب الرياضية!

وأخذتُ أعتذر وأنا أشعر بالخجل الشديد، وأخذ الأطفال يصطفون للخروج إلى الساحة، فتَقَدَّمْتُ من الصف ببطء، ولكن المعلمة أوقفتني، وقالت: أنا آسفة يا لبنى، لقد رَتَّبْتِ الحجرة، ثم عُدتِ وأفسدتها، لن تخرجي معنا، هذا عقاب جديد لك، وعليك أن تعيدي ترتيب اللعب في خزانتها!

رجب سعد السيد

إقرأ أيضاً:

قصة للأطفال: مريم والشاشات

قصة للأطفال: ليلى والغراب والببغاء

قصة للأطفال: قصة ماء زمزم

قصة مشاهير: فنجان قهوة آل معلوف

قصة وعبرة: الطالب الفقير والطائر الراقص

للمزيد             

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية

المصدر: 1، 2

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق