قصة وحكاية: • قصة للأطفال: في بيتنا أميرة

تعاطف

أنا نور... أختي أميرة تشبهني كثيرًا. شعرها أسود قصير كشعري، وعيناها زرقاوان مثلي تمامًا. طولها كطولي حتى تكاد لا تفرق بيننا، غير أن ابتسامتي لا تفارق وجهي، أما أختي أميرة فلا ترى وجهها مبتسمًا مطلقًا، ولا حزينًا مطلقًا. لا تراها تُعَبِّرُ عما يجول بداخلها.

بدأت حكايتنا عندما كنت صغيرة، كنت أعشق الجري واللعب، أحب القفز والكلام. كنت أشعر بالضيق الشديد من أختي أميرة. أنادي عليها لا ترد، بل لا تلتفت إليّ. فهي لا تلعب معي ولا تسمح لي أن ألعب بشيء من ألعابها.

لا تلعب أختي أميرة كما ألعب، فكانت تمسك السيارة لا لتسير على الأرض ولكن لتقلبها وتلعب بالعجلات، تمسك المكعبات لا لتكون بها أشكالًا ولكن لترميها على الأرض. تمسك مقبض الباب أوقاتًا طويلة لا تفارقه، تمسك مفاتيح أبى وتحملق داخل حلقتها دون أن تتحرك، تصرخ بشدة إذا اقتربتُ من أشيائها. لم تتكلم معي كما يفعل الإخوة معاً. عندما تصرخ في وجهي أبكي وأبكي لكنها لا تهتم.

كانت أختي أميرة لا تحب الخروج من المنزل، وعندما ذهبنا إلى الحديقة ذات مرة تشبثت بيد أمي وارتمت في أحضانها، لم تسمح لي بالاقتراب من أمي حتى عندما وقعت على الأرض وانجرحت قدمي لم تبالِ أو تتعاطف معي.. صرت أشعر بأن هناك شيئًا عجيبًا يفصلها عنيّ.

كثيرًا ما يتركني والديّ مع جدتي ويذهبان مع أختي أميرة، لا أدري إلى أين. كل ما أعرفه أنهما يخرجان برفقتها، كنت أبكي وأبكي وتحاول جدتي مداعبتي فأنسى الأمر وأتسلى أحيانًا، وأحيانًا أخرى أبكي في أحضان جدتي حتى أغرق فى النوم.

كانت أمى تطبخ البطاطا كل يوم لأجل أختي أميرة، كنت أشعر أن أمي تصنع لها شيئًا مميزًا.. رغم أنني لا أحب البطاطا وأحب الدجاج، فكانت أمي تصنع لي الحلوى والدجاج المقرمش، لكني فقط كنت أتناول البطاطا حتى لا أشعر أن أميرة مميزة عني.

كبرنا قليلًا، ذهبت إلى النادي مع أسرتي واشتركت فى تدريبات السباحة، لكن أختى أميرة لم تشترك معي في شيء من الأنشطة. كنت أجري وأصافح الأصدقاء وأتحدث بلباقة، أما أميرة فلم تكن تنطق سوى القليل من الكلمات.

وعندما حان وقت الالتحاق بالمدرسة لم يتحسن الوضع كثيرًا. جلست أمي معي في حجرتي، وقالت: الآن كبرتِ يا نور وأريد أن أخبرك أمرًا.. لحظتها شعرت أني أصبحت كبيرة، وأني محلُّ لسِرِّ أمي التي قالت: إن أختك أميرة لن تذهب معك إلى المدرسة... فهي تعاني من التوحد.

لم أفهم ما تقوله أمي التي أكملت كلامها وقالت: كما تلاحظين أن أختك لا تتكلم بطلاقة كما تفعلين، ولا تحب اللعب مع الآخرين، ولذا أصطحبها إلى الطبيب مرتين بالأسبوع، ولذلك أتركك أحيانًا مع جدتك.

نظرتُ إلى عينيّ أمي وجدت دمعة تنحدر منها، احتضنت أمي وقلت: آسفة يا أمي. كنت أظن أنكم تخرجون فى نزهة وتتركوني بالبيت.

مَسَحَتْ أمي على رأسي وقالت: لا عليك حبيبتي، كنتِ صغيرة.

قلت: ومتى يمكن أن تذهب أختي أميرة الى المدرسة؟

قالت أمي: قال الطبيب إن الأمر يتحسن ولكنه يحتاج إلى مزيد من الوقت، حتى تستطيع أميرة الاعتماد على نفسها على الأقل.

نظرتُ إلى أمي التي تداعب خصلات شعري وقلت: سأعتني بأختي أميرة، لا عليك يا أمي.

احتضنتني أمي بقوة وقالت: كنت أعلم أنك ستفهمين الأمر، أختك أميرة تحتاجنا جميعًا، فلنمنحها الحب والحنان حتى تتحسن بسرعة.

أسرعت ببعض ألعابي إلى أختي أميرة التي نظرت إلى وجهي. ابتسمت لها وقلت: ما رأيك أن نتشارك اللعب ونلعب معاً؟

لم ترد أختي أميرة، فجلست بالقرب منها ألعب بعروستي، وعندها أمسكت هي بعروستها التي تشبه عروستي وابتسمت.

إقرأ أيضاً:

قصة للأطفال: سمارة الغامق

قصة للأطفال: المنزل الصغير

قصة للأطفال: حكاية عن وردة