السُّدَّجُ ينقادون لمن يفعل لهم العجائب ويستسلمون لتأثيره
في عام 1788 وفي الخامسة والخمسين من عمره كان الطبيب والعالم فرانز مسمر على مفترق طرق؛ فقد كان رائداً في دراسة المغناطيسية الحيوانية، والتي كانت تؤمن بأن الحيوانات لديها مادة مغناطيسية، ويمكن للطبيب أو المختص أن يحقق تأثيرات شفائية إعجازية بالعمل على هذه المادة المشحونة.
لكن
تَلَقَّت الأوساطُ الطبية في فيينا حيث كان يعيش ويعمل نظرياته بالسخرية
والازدراء. كان مسمر يَدَّعِي أنه استطاع شفاء حالات من التَّشَنُّجات الصَّرعية،
وأكثر ما كان يفخر به أنه حقق الشفاء لفتاة فقدت الإبصار، إلا أن طبيباً آخر فحص
الفتاة ووجدها لا تزال عمياء، وهو ما أَكَّدَته الفتاة نفسها، وعارضَ مسمر ذلك بأن
أعداءه يحاولون تشويه سُمعته، وأنهم أقنعوا الفتاة بالانضمام إلى صَفِّهم، ولم
يجلب له هذا الدفاع إلا المزيد من السخرية. بدا واضحاً لمسمر أن سُكّان فيينا العقلانيين
ليسوا الجمهور المناسب لنظرياته، فَقَرَّرَ أن ينتقل إلى باريس ليبدأ من جديد.
في
باريس استأجر شقةً فخمة وأَثَّثَها جيداً، وقد أَضْفَتْ الفسيفساءُ التي وَضَعَها
على كل النوافذ شعوراً روحانيا، وأَحدَثَتْ المرايا على الجدران أثراً تنويمياً.
أعلنَ الطبيبُ أنه في شقته يستطيع أن يُبَيِّنَ قدرات المغناطيسية الحيوانية، ودعا
المرضى والمُكْتَئِبين لِتَلَمُّس هذه القدرة، وبسرعة بدأ الكثيرُ من سكان باريس
من كل الطبقات يتوافدون إلى شقته لرؤية المعجزات التي يصنعها. وكان أغلبُ زُوّاره
من النساء، فقد كن يَنجَذِبنَ لأفكاره أكثر كثيراً من الرجال.
داخلَ
الشِّقة كانت روائح زهور البرتقال والبخور غير المألوف تنبعث من فتحاتٍ خاصة، وحين
كان الخبراء يَتَقدّمون نحو المكان الذي تظهر فيه العروض كانوا يسمعون عزفاً على
القيثارة وإلى تنغيمات رقيقة لمغنية تأتي من غرفة أخرى، ووسط المجلس حاويةٌ
بيضاوية طويلة تمتلئ بمياه ادَّعي مسمر أنها ممغنطة، ومن الغطاء المعدني للحاوية
كانت تبرز قضبانٌ متحركة من الحديد. كان يطلب من الزائرات أن يجلسن حول الحاوية
وأن يضعن القضبان الحديدية على الأجزاء المؤلمة أو المصابة من أجسادهن، ثم تمسك كلٌ
منهن بيد مَن تجاورها. كُنَّ يجلسنَ تقترب إحداهن من الأخرى على قدر الإمكان حتى
تتخلل القوى المغناطيسية بين أجسادهن، وأحياناً کُنَّ يَتَّصلنَ ببعضهن البعض بالحبال.
كان
مسمر يغادر المجلس ويدخل «مُنَوِّمون مُساعِدون» كلهم من الشُّبّان الوسماء أقوياء
البنية ومعهم قوارير من الماء الممغنط يرشّون بها المريضات، ويمسحون ويُمَسِّدون
به أجسادهن حتى يدخلن في حالة تشبه النَّشوَة. بعد دقائق تأخذ النساء حالة من
الهذيان فتبدأ بعضهن بالنحيب وأخريات يصرخن ويمزقن شعورهن وغيرهن يضحكن بهستيرية،
وفي ذروة هذه الحالة يعود مسمر إلى المجلس في رداء من الحرير المتألق والمزين
بأزهار ذهبية حاملاً قضيباً أبيض ممغنط، ويدور حول الحاوية ويُرَبِّتُ به على
المريضات إلى أن يهدأن. وفيما بعد قالت الكثيراتُ من النساء أن سطوته عليهن كان
مصدرها نظراته الثاقبة إلى عيونهن، وكُنَّ يعتقدن أنها تُثير أو تُهَدّيء السوائل
المغناطيسية في أجسادهن
خلال
أشهرٍ من وصوله إلى باريس أصبح مسمر بدعة المدينة، وكان من أنصاره الملكةُ ماري
أنطوانيت زوجة لويس السادس عشر. وكما في فيينا كان المجتمع الطِّبِّي الرسمي يرفضه ويُدينه ولكنه لم يهتم
لأن الأعداد المتزايدة من أتباعه الأثرياء من الطلاب والمرضى كانوا يدفعون له
بسخاء.
طَوَّرَ
مسمر أفكاره وادَّعي أن كل الإنسانية قد تتمكن من العيش بسلام وانسجام بتأثير
المغناطيسية، وكان لذلك جاذبية شعبية كبيرة أثناء الثورة الفرنسية، فانتشرت طائفة
المسمرية في كل أنحاء البلاد وظهرت في الكثير من المدن «جمعيات الانسجام» للبحث في
المغناطيسية. في النهاية تَدَنَّتْ هذه الجمعيات وأخذ يقودها مبتذلون حولوا
الجلسات إلى نوع من العربدة والجنس الجماعي.
في
ذروة شُهرة مسمر نشرت لجنةُ فرنسية شُكِّلتْ خصيصاً تقريراً يعتمد على سنوات من
اختبار نظرية المغناطيسية الحيوانية خلص إلى أن «تأثيرات المغناطيسية على الجسد
يقوم على نوع من الهستيريا والإيحاء الذاتي الجماعي». تَمَّ توثيقُ التقرير جيداً
بالأَدِلَّة، وقَوَّضَ سُمعة مسمر في فرنسا، فَهَجَرَ البلاد وتقاعد. بعدها بسنوات
قليلة انبعث مُقَلِّدون له في كل أنحاء أوروبا، وانتشرت طائفة المسمرية من جديد،
لكن هذه المرة كانت أعداد المؤمنين بها أكبر من أن تُحصى.
المصدر: THE 48 LAWS
OF POWER, ROBERT GREEN (ترجمة د. هشام الحناوي)
قصة للأطفال: الفيل سميح والقرد والأرنب
قصة للأطفال: رفروفة ترفرف من جديد
قصة وحكمة: فرانسيسكو جويسب بوري يدّعي النُّبُوّة
للمزيد
معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب
الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية
إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن
استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط
مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم
مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات
أيضاً وأيضاً
الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور
شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور
الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها
تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات
كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق