الصفحات

السبت، 24 يونيو 2023

• قصة للأطفال: سالم والكنز


اقرأ... اعمل... اتقن...

في قريةٍ صغيرةٍ وجميلةٍ تَربضُ عند سفح جبلٍ مليءٍ بأشجار الصنوبر، وحيث يمر النهر قريباً منها، كان سالم يسكن مع أمه في كوخ صغير وجميل مصنوع من أخشاب الشجر، وله نوافذ زجاجية زَرَعَ على حوافّها بعض الزهور والأشجار وأمامه قُنٌ للدواجن.

وذات نهار عاد سالم من المدرسة غاضباً وحزيناً، وضعَ كتبَه على الطاولة وجلس على الكرسي مفكراً، وضعتْ أُمّه أطباق الطعام أمامهما على الطاولة وجلست قريباً منه تنظر له، وحينما رأته لا يمدُّ يده للطعام سألته: مابك يا ولدي، لماذا أراك حزيناً اليوم؟.

فأجابها سالم: هل نحن حقاً فقراء يا أمي؟، سمعتُ بعض التلاميذ في المدرسة يتحدثون عنّا ويقولون إننا فقراء.

اقتربتْ منه أمه وضَمّته لها، وقالت له: يجب أن تَعلَمَ يا سالم بأن الفقر ليس عيباً، وعلى الفقير ألا يخجل من فقره، كما على الغني ألا يتكبر بما أعطاه الله له من مال.

فقال سالم: حسناً يا أمّي ولكن لم تُجيبي على سؤالي.

أجابته حينها وهي تبتسم: حسناً، أعتقد بأنك كَبُرتَ بما فيه الكفاية لتعلم سراً مهماً.

فقال سالم متلهفاً لسماع السِّرِّ: ما هو يا أمي؟.

فقالت له وهي تنظر بعيداً عبر النافذة لأشجار الصنوبر: يجب أن تعلم يا ولدي بأن أباك قبل أن يموت، رحمه الله، قد خَبّأَ لك كنزاً وأوصاني بألا أُخبرك بذلك إلا حينما تَكبُرُ وتصبح قادراً على أن تُحضِره.

نظر لها سالم فرحاً، ونهض من على الكرسي وأخذ يُقَبِّلُها وهو يقول: أين الكنز يا أمي؟ أين الكنز؟.

ذهبت إلى خزانتها، ثم عادت وهي تُحضر ورقةً معها وأعطته إياها وهي تقول: انظر ياسالم، هذه خريطة الكنز.

نظر سالم للخريطة المرسومة في الورقة، وكانت عبارة عن خطوط مرسومة تمثل رسماً لجبلٍ ونهرٍ وشجرةِ بَلُّوط، بالقرب منها صخرةٌ ضخمة حيث وضعت الإشارة بجانبها، وقد حَدَّدَتْ الإشارات والمسافات بشكل واضح، كما حددت الطرق المؤدية للكنز، نظر سالم فَرِحاً لأُمّه وهو يقول: حسنًا يا أمي، سأذهب الآن.

فقالت له: لا، ليس الآن، فكما قال والدك، عليك أن تذهب ليلاً حتى لا يراك أحد، وإذا لم تكن لديك الشجاعة لتذهب ليلاً فانتظر حتى تَكبُر.

تَرَدَّدَ سالمٌ قليلاً في الإجابة ثم قال في حَزمٍ وشجاعة: لا، سأذهب الليلة.

وعندما غابت الشمس وحَلَّت العتمة على القرية، خرج سالم من البيت يحمل مصباحاً بيدٍ وباليد الأخرى فأساً، ووقفت أمه عند باب الكوخ قَلِقَةً عليه وهي تدعو له بالتوفيق والنجاح.

وكان كلما ازداد بُعدًا عن البيت بدأت أصواتُ نباح الكلاب وعواء الذئاب أكثر قرباً منه، وكان كلما سَمِعَ صوت حفيف أوراق الشجر وهي تحركها الرياح تَذَكَّرَ قصص الأشباح التي تخرج للناس ليلاً، خاف سالم، وتَوَقَّفَ عن المسير وقال لنفسه مفكراً: ربما عليَّ أن أعود، ماذا لو هاجمني كلبٌ الآن أو ذئب، أو ربما ظهر لي ماردٌ ضخم؟، ولكنه بعد وقت قليل من التفكير قَرَّرَ مواصلةَ السَّيرِ لإحضار الكنز، وقال لنفسه من جديد: الأشباحُ مُجَرَّدُ أوهامٍ، والكلاب والذئاب تهاجم الخائفين، ولديَّ فأسٌ أُدافعُ بها عن نفسي.

حينما وصل للمكان المُحَدَّد على الخريطة، وضع المصباح على الأرض قريباً منه وبدأ بالحفر.

بعد ساعتين وبعد أن كاد يتوقف من التعب واليأس، اصطدمت فأسه بصندوق خشبي، فأخذ يصيح من الفرح: الكنز، الكنز، وجدت الكنز.

أزال الترابَ من حول الصندوق ورفعه من الحفرة وفتحه، ولكن دُهِشَ عندما لم يجد في الصندوق أيّ مجوهرات، لم يجد ذهباً ولا ألماساً ولا أحجاراً كريمة... لم يجد سوى كتاب. فقط كتاب، جلس على الأرض متعباً وحزيناً يكاد يبكي، ثم أخذ بعد قليل يُقَلِّبُ صفحات الكتاب ليرى ما كُتب بداخله.

كانت هناك ثلاث كلمات فقط: اقرأ، اعمل، اتقن.

وباقي صفحات الكتاب كانت خالية لم يكتب بها أي شيء.

حمل سالم الفأس والصندوق بداخله الكتاب بيد وباليد الأخرى المصباح وعاد للبيت.

في الصباح، تأمل سالم الكلمات، وقال مخاطبًا أمه: في الكلمات الثلاث التي كتبها لي والدي في الكتاب، أدركتُ ماذا كان يريد أن يقول لي.

فقالت له الأم مُتَسائِلَةً ومُستَغرِبَةً: وماذا كان يريد أن يقول لك؟.

فأخذ يشرح لها: لقد وضع الكتاب في الأرض ليقول لي بأن الأرض هي الكنز، وكتب لي ثلاث كلمات فقط الأولى هي (اقرأ) حيث إن القراءة هي طريق المعرفة والعلم، والكلمة الثانية هي (اعمل) حيث لا جدوى من القراءة والعلم دون العمل بهما، والكلمة الثالثة هي (اتقن) حيث إن إتقان العمل هو طريق النجاح والثراء، نعم يا أمي هذا طريق النجاح والكنز وليس الذهب والمجوهرات.

أخذ سالم بعد ذلك يجتهد في قراءة كتب الزراعة، بعد قراءة كتبه المدرسية، ومع المحافظة على إتقان عمله أصبح سالم من كبار تجار الخضراوات والفواكه في القرية وأصبح من كبار الأثرياء في البلد.

وكلما سأله شخص عن سر ثروته التي يملكها، كان يبتسم ويقول: لقد وجدت الكنز الذي خبأه لي والدي.

سمير البرقاوي

إقرأ أيضاً:

قصة للأطفال: "عاليا" وشغب الألوان

كازانوفا إصراره سرّ نجاحه

قصة وحكمة: أرسطو والإسكندر وكاليسنيس

قصة وحكمة: الإمبراطور أكثر من مجرد بشر

قصة للأطفال: عروسة أطفال تغني

للمزيد              

حدوثة قبل النوم قصص للأطفال

كيف تذاكر وتنجح وتتفوق

قصص قصيرة معبرة

قصص قصيرة معبرة 2

معالجة المشكلات السلوكية عند الأطفال والطلاب

قصص قصيرة مؤثرة

الإدارة الصفية: 7 مقالات في الإدارة الصفية

إختر مهنتك: تعرف على المهنة التي تناسبك من بين جميع المهن

استراتيجيات التدريس دليل المعلم للتعلم النشط

مراهقون: مشاكل المراهقين وأساليب التعامل معهم

تربية الأبناء والطلاب

مواضيع حول التنمية البشرية وتطوير الذات

أيضاً وأيضاً

قصص وحكايات

الغزل: أبحاث ومقالات عن شعر الغزل العذري والإباحي في كل العصور

شعراء: نبذة عن حياة شعراء عرب في كل العصور

الطاقة: مقالات وأبحاث عن الطاقة بكل أنواعها

تلوث ونفايات: مقالات وأبحاث حول تلوث البيئة والنفايات

كوارث طبيعية: مقالات وأبحاث عن الزلازل والبراكين والفيضانات وغيرها

مسلسلات: نقد وتحليل مسلسلات عربية وتركية

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق